رواية ضبط واحضار بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز

حتى يتأقلم الجسد والعقل معا على التغييرات التي تطرأ على كليهما دفعة واحدة لهذا أجبرت بهاء نفسها على تغيير نمط نومها قبل عدة أيام لتتمكن من الاستفاقة في موعدها دون أن يصيب رأسها ذلك الصداع المزعج فتبقي على حالتها النشطة حتى انقضاء يومها الدراسي الأول في المعهد.
كما تعودت ارتدت ثيابا رسمية تناسب
من وجهة نظرها تواجدها في مكان كهذا يعج بأفضل الشخصيات ذكاء وتفكيرا لهذا فضلت ارتداء بدلة كحلية اللون من أسفلها وضعت قميصا من اللون الأبيض مع حذاء جلدي يحمل نفس درجة لون حلتها وذي كعب قصير أما تسريحتها فلم تختلف كثيرا عن المعتاد كانت خصلاتها منضبطة مجموعة في كعكة محكمة في منتصف رأسها إلا من خصلتين انسابتا على صدغيها.
ألقت نظرة أخيرة على هيئتها في المرآة لدهشتها تنشطت ذاكرتها بهذا الحلم العجيب فطرحته عن عقلها مرددة مع نفسها
أل يعملني عجة أل!
هزت رأسها في إنكار وراحت تراجع أشيائها في تعجل قبل أن تفتح الباب وتخرج من منزلها.
كانت بسنت في انتظارها أسفل بنايتها لتذهبا معا إلى هناك على عكس رفيقتها المفعمة بالنشاط والحيوية كانت تتثاءب وتشعر بثقل في رأسها فقد ظلت مستيقظة حتى مطلع الفجر تقريبا تكافح لاستدعاء سلطان النوم لكنه عاندها وتركها في أوج يقظتها مما انعكست آثار قلة حصولها على قسط وافر من النوم على تركيزها في وقت النهار. ألقت بهاء التحية عليها وهي تستقر جالسة بجوارها نظرت إليها بإمعان وسألتها
مالك
وضعت يدها على فمها لتخفي تثاؤبها الواضح ثم أجابتها في صوت شبه ناعس
محتاجة شوب كبير قهوة علشان أفوق.
ابتسمت ساخرة منها لتخبرها
ما أنا قولتلك حاولي تظبطي نومك بس إنتي ماسمعتيش كلامي.
زمت شفتيها قائلة بتذمر عابس
هو أنا لسه في مدرسة علشان أنام بعد العشا
أتى ردها جادا وهي تنظر أمامها
خلاص استحملي بقى الصداع طول اليوم.
تمطت بسنت بكتفيها وقالت وهي تدير محرك السيارة تمهيدا لتحريكها
دلوقتي لما أشرب القهوة هفوق.
أمرتها رفيقتها في لهجة جمعت بين الجد والهزل
طيب دوسي بنزين شوية بدل ما نتأخر على أول يوم لينا ويطردونا.
ابتسمت قليلا واستطردت وهي تهز رأسها بخفة
ماشي يا أبلة الناظرة.
تباعا توافد المشتركون في الدورة التدريبية على قاعة الدراسة وبدأوا في اختيار أماكن جلوسهم دون استباق أثرت بهاء الجلوس في المنتصف بينما فضلت بسنت الجلوس في المؤخرة لتتمكن من الإغفاء إن شعرت بالنعاس دون أن يلاحظها أحد لكنها أرغمت على البقاء مجاورة لرفيقتها لتستأنس بوجودها ولتثرثر معها في الخفاء إن اعترتها الرغبة لفعل ذلك.
رتبت بهاء ما معها من أدوات ووضعت مفكرتها على سطح طاولة مقعدها لتبدو متأهبة للبدء في أي لحظة. نظرت بأنف مرفوع للأعلى نحو محاضرهم الذي ما زال إلى الآن يوليهم ظهره وحين استدار ليطالعهم بنظرة عامة شاملة لن تنكر أنه فاجأها فبذلت قدرا من الجهد لتبدو غير متأثرة پصدمة كونه المسئول عن التدريس لها وصوت في عقلها يردد
هو الحلم اتفسر ولا إيه 
تنشط عقلها بالمشهد العبثي لحلمها غير المنطقي فراحت تقول بلا صوت
الظاهر هتعمل عجة النهاردة!
في البداية قام عمر بتعريف نفسه بعدما شبك يديه خلف ظهره ليبدو منتصبا في وقفته
مع حضراتكم الرائد عمر الناغي خريج كلية الدفاع الوطني محاضر هنا في الأكاديمية...
قال كلمته الأخيرة وهو ينظر تحديدا إلى بهاء التي خفضت من رأسها قليلا لتتحاشى نظرته المصوبة ناحيتها. سمعته يواصل الكلام بنفس النبرة الثابتة
طبعا هدي لحضراتكم فكرة سريعة عن طبيعة المكان هنا للي مش عارف منكم أهمية الدراسة في الأكاديمية دي تحديدا.
لم تقل صدمة بسنت عن رفيقتها ومع ذلك فشلت في إخفاء أثرها على ملامحها فتدلى فكها للأسفل واختطفت نظرة جانبية سريعة نحوها اندهشت لكونها تظهر بحالة الجمود تلك وكأن وجوده من عدمه لا يشكل فارقا معها. ظل عمر يتحدث متعمدا رفع نبرته نسبيا ليلفت انتباه من ظهر عليها التشتت بتعابيرها ونظراتها المذهولة
احنا بندي دورات متخصصة في
إدارة المؤسسات وفهم هيكل الدولة ودراسة الأزمات على المستوى المحلي والدولي وكيفية إدارتها وطبعا الأمن القومي والصراعات الدائرة في الوقت الحالي.
لم تتمكن بسنت من منع لسانها من التعليق فمالت إلى حد ما للجانب نحو رفيقتها تهمس لها
شايفة مين هيدرسلنا
أجابتها بهاء باقتضاب ودون أن تدير وجهها
أيوه.
سألتها في صوت عكس توترها
طب إيه
ابتلعت رفيقتها ريقها وردت في صوت خاڤت للغاية يحمل التحذير
هنتكلم بعدين بدل ما ياخد باله لأنه من الواضح مركز معانا احنا بس.
رمشت بسنت بعينيها في ارتباك مشوب بالقلق وهسهست في نبرة بالكاد تسمع
ربنا يستر.
تحرك عمر من موضع وقوفه وبدأ في التجول بين مقاعد طلابه قائلا في مزيد من الإيضاح
الدورات دي مش بس لكبار موظفين الدولة لكن بنقدمها برضوه للمدنيين بحيث يكونوا مؤهلين لتولي مناصب قيادية في أي مكان وفي أي مؤسسة المميز كذلك عندنا إنه بيتم ترشيح المتفوقين للحصول على منح للدراسة بالخارج.
توقف عن السير ليكون في مواجهة بهاء فاضطرت لتنظر إليه وطيف كابوسها المزعج يتأرجح في عقلها سدد لها نظرة قوية وغامضة قبل أن يستأنف شرحه وكأنه يوجهه لها على وجه الخصوص
أهم شيء لازم تكونوا واثقين منه إننا بنتعامل مع الجميع على حد السواء بمعنى لو كنت خريج كلية عسكرية أو مدنية فالمعاملة بالتساوي اللي بيميزك عن غيرك هو تفوقك الدراسي ومدى تحصيلك العلمي مش المحسوبية ولا الواسطة ولا حتى طولة اللسان وفرد العضلات.
لحظتها ضاقت نظرة بهاء خاصة مع حدسها القوي بأنه يقصدها شخصيا بعبارته الموحية. ما إن انتهى عمر من جملته الأخيرة حتى تحرك مبتعدا عنها ليكمل سيره نحو الخلف هاتفا
كمان الأكاديمية بتتميز عن غيرها بأنها من أعلى المراكز العلمية للدراسة والبحث.
توقف عند مؤخرة القاعة الدراسية وأكمل وهو يجول ببصره على الجالسين
فأتمنى تقدروا تستفيدوا من كل لحظة إنتو موجودين فيها هنا.
أديرت معظم الأعنق مع حركته ليتابعوا ما يقول فأشار لهم بيده نحو الأمام مستطردا
طبعا مش أنا لواحدي اللي هدرسلكم في معايا أساتذة متخصصين كل واحد مسئول عن مادة بعينها...
بالطبع كان أنس يبدو متباهيا في وقفته رغم أمارات الحنق الظاهرة في نظرته المسلطة نحو بهاء قرأت الأخيرة مغزاها بوضوح ولم تبد مرتاعة منه بل على العكس رأت أنه يستحق التوبيخ والعقاپ لقيامه بخداع صديقتها واستغلالها بتبجح شتت نظراتها الناقمة عنه عندما وقف عمر بجوارها مرددا وشبح ابتسامة قد لاح على زاوية فمه
وده بجانب التدريب العملي اللي تم دمجه بشكل استثنائي في الدورة دي تحديدا بحيث يكون ليه نفس الأهمية زي الجانب النظري.
مرة ثانية مالت بسنت نحو رفيقتها هامسة لها
مش مرتاحة لحوار التدريب ده وخصوصا لو هما اللي ماسكينه.
أيدتها في شعورها القلق مرددة بنبرة مماثلة في خفوتها
ولا أنا شكلنا هنتطحن أو هيتعمل مننا عجة!
عاد عمر إلى موقع وقوفه الأول مسح بنظرة عامة وجوه المتطلعين إليه ثم ابتسم قليلا قبل أن يقول
كل التوفيق ليكم.
تلقائيا قام الجميع بالتصفيق إليه لإظهار استعدادهم للبدء في مشوار دراستهم الجديد ما إن هدأ الصخب حتى أضاف
المحاضرة الأولى بعتبرها نوع من أنواع التعارف باعتبار إننا هنكون أسرة واحدة طول الفترة الجاية.
استقام في وقفته وتابع دون أن تخبت ابتسامته الصغيرة
هنبدأ
تم نسخ الرابط