رواية ضبط واحضار بقلم منال سالم
المحتويات
هاتفة بشيء من التضرع
عقبال يا رب ما أتعبلك في جوازك.
كان بحاجة ماسة للاغتسال بعدما انتهى من ممارسة تمرينه الخاص بفنون القتال استطاع أن يحافظ على لياقته البدنية وكذلك دقة ضرباته وركلاته وحتى في طريقة تفاديه لمحاولات الطرف الآخر للنيل منه. جلس عمر على المقعد الخشبي المستطيل في غرفة تبديل الثياب ينظر بشرود إلى خزانته المفتوحة فقد لاح في عقله طيف بهاء وهي تتعرض للإصابة غير المقصودة أثناء اندلاع المشاجرة الصباحية. استاء من نفسه لأنه تركها تمضي دون أن يطمئن فعليا عليها ماذا لو كانت إصابتها خطېرة أمسك بهاتفه المحمول ونظر إلى الرسائل الإلكترونية تردد في الإرسال إليها وخاطب نفسه بلا صوت
عبس بقسماته متابعا حديث نفسه
شكلي هيبقى بايخ أوي.
تحول ضيقه إلى المزيد من التقريع وتأنيب الضمير وتفاصيل إعادة المشهد تتجسد في خياله فراح يهمهم دون أن ينبس بكلمة
المفروض كنت أخد بالي أكتر من كده من أي ثغرات تحصل في أي معسكر وإلا هعرض ناس معندهاش خبرة للخطړ.
انتشله من أفكاره العميقة صوت أنس المزعج
أدار وجهه ناحيته ليتطلع إليه متسائلا
عاوز إيه يا أنس
أخبره في تحمس
مش ناوي تيجي معايا أنا مظبط سهراية تمام التمام.
باعد عينيه عنه متمتما
ماليش في الجو إياه بتاعك.
تحرك أنس ليصبح في مواجهته وألح عليه بتصميم
دي حاجات لزوم الفرفشة والترويح عن النفس.
ابتسم عمر في سخافة قبل أن يسأله
رفع ذراعه للأعلى ليحك مؤخرة عنقه واستطرد في استرسال
الصراحة هي عرفتني على واحدة أنأح منها بس أنا علشان بحبك وبفكر فيك قولت أسيبهالك تشوفها الأول لو عجبت فأنا .. لو لأ فهجرب حظي معاها.
بما يشبه النصيحة خاطبه بعدما أخرج ثيابه النظيفة من الخزانة
أنا رأيي تركز في شغلك أحسن لأن كتر الحاجات دي تجيب الكافية!
يعني قولت إيه برضوه
أزاحه عن طريقه قائلا بثبات
أنا من كل الهجس بتاعك ده!
عادت في ساعة شبه متأخرة إلى بيتها ومعدتها منتفخة بشكل واضح ولما لا تشعر بالشبع والامتلاء وقد أفرطت في تناول أطباق زوجة عمها الشهية تحسست بهاء بطنها برفق وهي تسير بخطوات كسلى نحو غرفة نومها لتستلقي على الفراش. تثاءبت بصوت مسموع ثم فردت ذراعيها بطول السرير وحين أدارت رأسها للجانب لمحت علبة الدواء الموضوعة على الكومود رفعت من جسدها قليلا لتمسك بها وضعتها ڼصب عينيها وهي تتذكر ما قاله الطبيب عن ذلك الدواء بأنه فعال وقوي التأثير لذا ابتسمت بعفوية لاهتمامه بشأنها لكن ما لبث
هو متعود على كده أكيد مايقصدش يهتم بيا على وجه التحديد يعني.
تركت العلبة جانبا وأراحت ظهرها على الوسادة لتقول في إرهاق وثقل
صحيح مش لازم الواحد ينام على معدة فاضية بس الأكل كبس على نفسي مكانش لازم أتقل فيه بالشكل ده.
سحبت الغطاء على جسدها ورددت بصوت مال للنعاس
أغمضت جفنيها وراحت تتأوه في صوت خفيض وذلك الصوت يهتف في عقلها
أنا محتاجة مسكن لكل حتة في جسمي.
لم تستغرق وقتا طويلا لتغط في نوم عميق فكل عظمة من جسدها كانت تفتش عن الراحة وتتوق إلى الاسترخاء ورغم هذا لم تفارقها الأحلام المزعجة فأرقت مضطجعها وعاشت أجواء ذلك الکابوس المزعج فقد رأت نفسها متجسدة على هيئة أنبوب لمعجون الأسنان تم استنزاف ما فيه فأصبح فارغا لا يحتوي على شيء لإخراجه. حاولت التحرك فلم تستطع كانت تزحف على يديها وحين رفعت وجهها للأعلى وجدت عمر ينظر لها بتجهم قبل أن يأمرها
بقولك هاتي معجون!
اعتصرت نفسها عصرا لتلبي أمره لكن لم يخرج من الفوهة التي تعتلي أعلى رأسها أدنى شيء فصړخت باكية
معدتش فيا أنا عصرت الأنبوبة ومطلعتش حاجة.
صاح بها بلهجته الآمرة
ماليش دعوة اتصرفي.
ارتفع صوت بكائها وهي تسأله
أضغط على نفسي أكتر من كده إزاي
نظر إليها بغير إشفاق فأكملت شاكية قسوته معها
أنا فضيت هات واحدة تانية جديدة.
جاء رده بنفس النبرة غير المتعاطفة معها
أنا ما بهزرش هنا.
ظلت تبكي وهي ترد
ولا أنا.
بذلت بهاء مجهودا مضنيا حتى تتمكن من استخراج المعجون منها نجحت في الحصول على مقدار ضئيل للغاية من مادة لزجة مدت يدها ناحيته بها لتناوله إياها وهي تسأله
تنفع اللحسة دي
اشتعلت نظراته في استنكار فأكملت وهي تكفكف دمعها بيدها الأخرى
مشي نفسك بيها بقى وماتضغطش عليا أكتر من كده أنا تعبت.
ثم أجهشت بالبكاء الصاخب لتستحثه على أن يترأف بها لكنه ظل قاسېا معها يعاملها بخشونة وبلا رحمة لذا استمرت في صړاخها المرتفع تشكوه للجميع لتنهض بعدئذ وهي تشعر پألم في حلقها تلقائيا تفقدت جسدها لتتأكد أنها على حالتها الطبيعية ولم يكن الأمر سوى هلوسات نومها العجيبة.
ابتلعت بهاء ريقها وتساءلت وهي تفرك فروة رأسها
إيه الحلم الغريب ده هشوف إيه تاني بعد كده!!
عاودت الاستلقاء على الوسادة وعيناها على اتساعهما ظلت تحدق في السقف لوقت طويل محاولة عدم التفكير في عمر الذي أصبح ملازما لها في أحلامها وإن كانت غير منطقية بالمرة. نظرت إلى ساعة هاتفها المحمول ما زال الوقت مبكرا للاستيقاظ راحت تعد الغنم واحدة تلو الأخرى حتى تداخلت الأرقام وبدأ جفناها يتثاقلان إلى أن عادت للنوم من جديد.
مضى النهار بطيئا خاصة مع تتابع المحاضرات وتراكم المعلومات المكثفة حتى بات من العسير تذكر جميعها دون الرجوع إلى ملحوظات صريحة ومباشرة عن نقطة بعينها. للغرابة لم يحضر عمر وكذلك صديقه السمج أنس بالرغم من التزام الأول وحرصه على التواجد دائما والمثير أيضا للاستفهام هو تغيب معظم الدارسين عن الحضور وكأن هناك عطلة ما غير معلنة للجميع. انتاب الفضول بهاء وعجزت عن إيقاف عقلها عن التفكير في شأنه لهذا بدت فاقدة للرغبة في الكلام أو الثرثرة عن أي شيء. بالكاد تنفست الصعداء عندما جاء وقت الاستراحة فهرعت خارج قاعة الدراسة لتلحق بها بسنت وهي تتحدث عن مدى تعقيد الدراسة قاطعتها في منتصف كلامها لتقول
بقولك إيه أنا جعانة خلينا نروح ناكل.
تساءلت بسنت في نبرة متحيرة
هنحلق نطلب أكل ويجيلنا بسرعة
حدقت بهاء في
ساعة يدها قائلة
ماظنش!
التفتت حولها تنظر بعشوائية وعقلها يفكر فيما يمكن أن تفعله فاستقرت عيناها على لافتة الكافيتريا ليومض عقلها فجأة بوميض فكرة ما فنطقت بها في التو
بصي تعالي نشوف أي حاجة ناكلها في المطعم ده.
لم تمانعها بسنت وقالت وهي تهم بالسير
أوكي.
لاحقا تبين لها أنه أمر مفيد عندما اشترت الطعام مع رفيقتها من الكافيتريا الملحقة بالأكاديمية ورغم أن الوجبات المقدمة في قائمة الطعام محدودة إلا أنها كانت مشبعة تكفي لفردين. جلست بسنت في مواجهة رفيقتها على طاولة متطرفة لكنها تعطي رؤية ممتازة للمكان بأكمله استطردت تكلمها بعدما ابتلعت ما في جوفها من طعام
أول مرة ما يكونش عمر موجود في محاضرات الصبح.
التطرق إلى سيرته كان محرجا لها بشكل ما حتى أنها شعرت بخفقة صغيرة تداعب قلبها وتشعرها بالارتباك والتخبط لهذا تجنبت بهاء النظر في عيني صديقتها وهي ترد
جايز وراه حاجة تانية أهم...
ثم
متابعة القراءة