رواية ضبط واحضار بقلم منال سالم
المحتويات
هاتفة
يا عمي ماتشلش همي أنا بخير والله.
بعد ذلك تحركت تجاه أحد دواليب المطبخ المعدنية لتقوم بفتحها أخرجت منه كأسا نظيفا وأسندته على الطاولة الرخامية متسائلة باهتمام
تحب تشرب إيه
رفع ساعده لينظر إلى ساعة يده معتذرا
مرة تانية يا حبيبتي أنا يدوب قولت أطل عليكي قبل ما أروح مشواري.
تبعته بهاء وهو يلج خارج المطبخ بخطوات تسير على سرعة خطاه واستمعت إليه وهو لا يزال يوصيها
ردت من ورائه
حاضر.
توقف عند باب المنزل ليستدير ناحيتها متابعا إلقاء تعليماته
واقفلي الباب بالترباس بعد ما أخرج وشغلي الكاميرا وآ...
قاطعته هذه المرة مكملة أوامره بدلا منه
وهبص من العين السحرية لو حد خبط اطمن أنا حافظة التعليمات كلها.
أنا متفق على باب حديد أركبهولك من برا.
قطبت جبينها معترضة
برضوه ما أنا عاملة واحد متين مالوش لازمة أنا مش في سجن يا عمي.
أصر على رأيه قائلا
ابتسمت في ودية قائلة باستسلام
اللي تشوفه يا عمي.
حرص على نقل كافة خبراته ومعلوماته إلى الدارسين ليتمكنوا من الاستفادة مما يلقى على مسامعهم وليس لمجرد حشو عقولهم بكلام نظري لا يسمن ولا يغني من جوع. شعر عمر بنوع من الفراغ وقدر من الإحباط المريب لعدم تواجد بهاء ضمن الحاضرين تردد بعض الشيء في سؤال صديقتها المقربة عن سبب غيابها كان يخشى أن تسيء ظن سؤاله وتأخذها الأفكار إلى تفسيرات قد تؤدي إلى فهم الأمور بشكل خاطئ تماما. أكثر ما أصابه بالحيرة هو تجاهلها لرسالة اعتذاره ولم يحبذ مراسلتها مرة ثانية.
إنت مش شايفني ولا إيه ده أنا عمال أنده عليك وإنت ولا سامعني!
معلش أنا مش مركز.
حاول استكشاف ما يشغل تفكيره فسأله بلؤم
مين واخدك مننا
تهرب من جوابه بترديده الموحي
أنا مش زيك معنديش حوارات دماغي كلها في المحاضرات والتدريبات وبس.
فجأة تألقت عينا أنس بوميض متفاخر وقد شعر باهتزازة ساعة يده الإلكترونية الحديثة ابتسم في نشوة وقد قرأ اسم المتصلة فقال في غرور
رفع عمر حاجبه للأعلى ليسأله
إنت مش توبت يا ابني
في مزيد من الزهو أخبره وهو يسرع في خطاه ليبتعد عنه
ما دي اللي هتقوم بالمهمة وتمشيني على الصراط المستقيم سلام يا باشا.
كدأبه رحل أنس ليمارس ألاعيب الحب مع شابة جديدة فتابعه عمر وهو يختفي عن أنظاره مرددا بإنكار
عمرك ما هتتعدل إلا لما تيجي واحدة تجيبك على جدور رقبتك.
صعوبة كبيرة في التواصل معها بشكل مباشر دون جدال أو سوء فهم نحى ما يشغله جانبا عندما نادته والدته السيدة نهيرة من خارج غرفته
يا عمر تعالى أخوك الكبير جه.
نهض من على فراشه وألقى نظرة خاطفة على هندامه في المرآة ليخرج من غرفته واضعا على شفتيه ابتسامة صغيرة أنيقة سرعان ما تحولت لضحكة مرحة عندما قفزت التوأم لين ولانا تجاهه لتقوما باحتضانه حمل كل واحدة بذراع وانهال عليهما بالقبلات هاتفا
العفاريت جوم.
سألته الصغيرة لين وهي تمسد على شعره القصير
إنت حلقت شعرك
لم يجبها لكون التوأم لانا قد تولت الإجابة عنه
علشان تبقى حلو صح يا عمو
أومأ برأسه قائلا
أيوه.
اعترض عليه شقيقه الأكبر في تذمر
مش أحلى مني.
حينئذ نظر تجاهه وأنزل الصغيرتين ليقترب منه ويحتضنه فاستمر عامر في تقريعه
يعني لو مكونتش أجي لحد عندك ما تسألش عني!
تراجع عنه متعللا بابتسامة صغيرة
مشاغل ما إنت عارف.
بأسلوب شبه متحيز خاطبه شقيقه الأكبر
أنا مش فاهم عاجبك إيه في شغل التدريس ونهي القلب ده ما كنت تبقى معايا وتوريهم ذكاءك وتخطيطك في المعارك اللي بجد مش شغل كتب ونظريات افتراضية.
خفت ابتسامته قليلا وعقب في صوت هادئ
أنا حابب يكون ليا لي دور مؤثر في غيري.
تدخلت زوجة شقيقه سلمى في الحوار قائلة بلهجة جادة
سيبه على راحته يا عامر بلاش تضايقه كفاية واحد يكون في الصاعقة مش لازم العيلة كلها.
لحظتها استدار زوجها برأسه ناحيتها ليرد
ده أنا مستني لما البنات تكبر وأدخلهم حاجة عسكرية.
رمقته بهذه النظرة المحتجة هاتفة
كمان إنتو هتحتلوا الجيش بقى!
أخرج تنهيدة طويلة مهللا
يا سلام لو يجي اليوم ده نعمل كتيبة للعيلة.
اغتاظت منه سلمى وراحت تكلم عمر في لهجة محذرة
أوعى تعمل كده في عيالك سيبهم يختاروا اللي عايزينه.
جاء رد زوجها مستخفا بقرارات شقيقه
مش لما يتجوز الأول بدل ما هو مقاطع كل حاجة مؤنثة.
واجه سخريته بلباقة وحذر
أنا مش في دماغي المواضيع دي ورايا حاجات أهم.
في طريقة ساخرة استأنف عامر التعليق عليه وهو يسحب مقعده على مائدة الطعام للخلف تمهيدا للجلوس عليه
يا ابني الجواز شړ لابد منه.
هنا غابت الابتسامة عن وجه سلمى لتبدو متحفزة للغاية وهي توجه عاصفة من اللوم إلى زوجها
قصدك إني شړ يا عامر!!
في التو صحح خطأه اتقاء لعصبيتها الوشيكة
يا باشا إنت فوق الراس حد يقدر يغلط في الحكومة ده فيها محاكمة عاجلة!
زمت شفتيها مغمغمة
بحسب!
رددت السيدة نهيرة في صوت شبه صارم بعدما ساعدت التوأم على الجلوس في مقعديهما
خليكوا كده ناقر ونقير وسيبوا الأكل يبرد.
أشار عامر بيده في الهواء هاتفا بعزم وحماس
ده أنا واقع من الجوع وهقوملك بالسفرة دي كلها.
ضحكوا جميعا على طريقته المرحة فربتت السيدة نهيرة على كتفه قائلة بمحبة أمومية
ألف هنا على قلبك.
الآخر لإحياء ذكراهما. اتشحت بهاء بالسواد من رأسها لأخمص قدميها حتى نظارتها كانت مطابقة لنفس اللون. تفاجأت أثناء خروجها من باب العمارة بوجود رفيقتها بسنت أمام المدخل فتحركت صوبها تتحدث إليها في استغراب
ما تصلتيش ليه قبل ما تيجي كان ممكن متلاقنيش فوق
ابتسمت في ودية وأخبرتها
وأسيبك في يوم صعب زي ده!
كانت ممتنة حقا لوجود رفيقة مثلها مخلصة في مشاعرها وصداقتها لمعت عيناها بتأثر فاستطردت صديقتها مرة أخرى مرددة بنفس الصوت الرقيق المتعاطف
تعيشي وتفتكري يا حبيبتي هما في مكان أحسن دلوقت.
اكتفت بهز رأسها فالصمت أحيانا أبلغ من الكلام استعدت لتتجه نحو سيارة عمها لكن بسنت استوقفتها بنبرة تحولت للجدية
خدي دول قبل ما أمشي.
نظرت إلى ما تحمل في يدها من كيس بلاستيكي وسألتها مستفهمة
ده إيه ده
أجابتها موضحة
هما سلمونا الزي الرياضي ده في الأكاديمية علشان التدريب العملي وأنا خدت بتاعك.
اندهشت للغاية من هذا الأمر واستخبرت أكثر منها
طب واشمعنى يجبولنا هما ما نلبس من عندنا.
هزت كتفيها معقبة
معرفش هو أصلا مجاني يعني ماتكلفناش حاجة وأنا هبعتلك على الميل مواعيد العملي علشان لازم تحضري.
حررت زفرة سريعة من رئتيها لترد باقتضاب
طيب.
لاحقا انضم إليهما عمها وألقى التحية على بسنت قبل أن يطلب منهما ركوب السيارة لينطلق بهما نحو مقاپر العائلة وقد راح يسرد ذكرياته السعيدة مع الراحلين.
بعد البقاء لوقت لا بأس به تضمن قراءة سورة الفاتحة وقصار السور القرآنية وكذلك بعض الأدعية للمټوفي مسحت بهاء بيديها
على وجهها الرطب والذي تبلل
متابعة القراءة