رواية ضبط واحضار بقلم منال سالم
المحتويات
الدوشة خلينا نتكلم لما نهبط بأمر الله.
وانتقل بعدها إلى موضع الطيار في الأمام للحديث معه فأخذت هذه الشابة تتدلل بتنهيدة متشوقة
سكر أوي أنا بحضر التدريب ده علشانه.
ردت عليها أخرى بنفس اللوعة
وأنا كمان.
للمرة الأولى شعرت بهاء بالغيرة الشديدة جراء حديثهما اللعوب عنه لم تعد تحتمل هرائهما فصړخت فيهما بصوت منفعل استغربت نفسها منه
نظرت كلتاهما إليها بتعجب واستطردت إحداهما معقبة بتأفف
مالها دي!
وقتئذ أدركت أن ثمة شيء فيها انجذب لا إراديا إليه ومع ذلك حاولت استنكاره بترديدها بين
يتبع الفصل الخامس عشر
الفصل الخامس عشر
رغم انشغاله بمتابعة كل شاردة وواردة تخص جميع دارسيه إلا أنها بقيت على قائمة اهتماماته فظل يراقبها خلسة متابعا عن كثب ردات فعلها تجاه تصرفات الشابات المتجاوزات مؤخرا في معاملتهن معه حرص تمام الحرص على أن يبدو صارما ملتزما في تعاملاته لئلا يفسر تصرفه بشكل خاطئ ومع هذا لم تتوقف الشابات عن ممارسة حيلهن المكشوفة له لاستمالته حقا لو كان أنس في محله لانتشى واستمتع بما يقدم له على طبق من ذهب غير مكترث بجرائر انسياقه وراء أهواء النفس.
يا رب أنا لسه صغيرة مش عايزة شبابي يروح هدر.
ضحكت الشابات على ما تقوم به من تصرفات خرقاء ووصفن إياها بالشابة البلهاء المحبة للفت الأنظار لكنها لم تعبأ بهن بينما دافعت عنها بهاء في تعصب
لو أي واحدة في مكانها طبيعي هتحس كده.
ردت عليها إحداهن في تأفف وهي تهم بالخروج من باب المروحية
اتخذت موقفا دفاعيا صارما عنها بقولها المتحيز
مالكوش دعوة بيها إنتو شاغلين بالكم بيها ليه
قالت أخرى في استحقار
أصله باين أوي إن اللي بتعمله وكل ده علشان هي عايزة تخلي كل الظباط حواليها.
ضحكت ثالثة مضيفة في استهزاء
ما هما بيحبوا اللي تبات ضعيفة ومحتاجاهم.
اغتاظت بهاء من تحاملهن على رفيقتها فأشارت إليهن بأصابع الاتهام
كلماتها بدت مستفزة لإحداهن فسألتها في نبرة هجومية
بتقولي إيه وضحي كلامك!
لم ترغب بهاء في إثارة أي نوع من الفضائح لهذا أثرت التراجع عن حدتها وقالت بسخافة
إنتو جامدين أوي هي لأ.
من ورائها أهانتها أخرى بطريقة فجة
سيبكم منها ما هما معروفين إنهم المهزقين بتوع التدريب ده.
إنتي بتتكلمي عن دول
تجمدت عينا بهاء عليه فرأت كيف قست تعابير وجهه واحتدت نظراته خاصة والشابة تحاول التبرير
أنا...
قاطعها في غلظة
اعتذريلها فورا وإلا هتطلعي برا التدريب.
على مضض برطمت وهي تنظر إلى بهاء بحنق
سوري.
صاح عمر محذرا في صوت قوي جهوري
مش مسموح نهائي إن حد يغلط في التاني.
ومش معنى إنكم قادرين تتحملوا الضغط يبقى الباقي زيكم في حاجة اسمها فروق فردية وقدرات.
انعكس الحرج على محيا الشابات فأكمل
والمفروض تحترموا الاختلاف بينكم ده لو فعلا جايين تتعلموا.
اعتذرت منه إحداهن محاولة البحث عن حجة مناسبة لتبرير رعونة تصرفهن غير المحايد
سوري يا سيادة الرائد احنا منقصدش حاجة بس هي كانت مأفورة حبتين والموضوع مش مستاهل.
أعطاها نظرة قاتمة قبل أن يقول
ده بالنسبالك لكن هي لأ!
لم ترغب بهاء في سماع المزيد شعرت بالحرج الشديد من الموقف برمته لذلك تراجعت بخفة نحو الجانب الآخر لباب المروحية لتساعد رفيقتها على الهبوط لفت ذراعها حول كتفيها لتسندها قائلة
تعالي يا بسبوسة.
ما إن لمست قدماها الأرض الصلبة حتى هللت فرحا
أخيرا احنا على الأرض أنا مش مصدقة نفسي.
كانت تبدو خائرة القوى غير متوازنة الحركة فطلبت منها بهاء الاتكاء عليها ومحاولة السير باتزان لكنها أخبرتها
مش قادرة مفاصلي سابت من بعضها.
شعرت بهاء بثقلها على كتفيها وعجزها عن مساعدتها دون أن تتعثر فأخبرتها
طب ما ترميش حملك كله عليا أنا مش عارفة أمشي خالص.
قبل أن تتذمر عليها بسنت ظهر أمير من ورائها ليقول بغموض مربك لكلتيهما
عنك.
تفاجأت به يسحب ذراع رفيقتها من على كتفيها ليقوم بحملها بين ذراعيه فتذمرت بسنت في ذهول خجل للغاية
إنت بتعمل إيه
نظر أمامه قائلا بغير مبالاة
السكة طويلة شوية وهي مش هتقدر تسندك.
من وراء كتفه نظرت
بسنت إلى رفيقتها تتوسلها في حرج بالغ
بهاء.. الحقيني.
هزت كتفيها مبدية عجزها عن مساعدتها وتمتمت بابتسامة خجلى
أنا عايزة اللي يشلني!
استقر الجميع بعدما هبطت المروحية الأخيرة في مبنى الخدمات المحلق بالقاعدة الجوية حيث تتوافر به كافيتريا رئيسية تقدم للزائرين كافة ما يحتاجون إليه. كانت غالبية الشابات مجتمعات حول عمر يتحاورن معه بألفة ومودة زائدتين عن المعتاد ولما لا وقد أوشك التدريب على الانتهاء تماما وهن بحاجة لتوطيد الصلات به لعل وعسى تظفر إحداهن به كخطيب مستقبلي محتمل!
على مائدة دائرية صغيرة تكفي لفردين جلست بهاء ومعها بسنت معزولتين عن الجميع لكون الأخيرة تعاني من اضطرابات وتقلصات بالمعدة جراء معاناتها من تبعات رحلتها الجوية ففضلت الجلوس بعيدا عن أي صخب لئلا تثير الفضائح في حالة ازدياد وثيرة شعورها بالغثيان وتصاعد سوائل معدتها للأعلى وخروجها على هيئة قيء وما أقرب حدوث ذلك! بدت سحنتها منقلبة للغاية ونظراتها شبه زائغة ولم تكف عن الشكوى لرفيقتها فاستطردت بلوم صريح
لو قولتيلي تاني في أي تدريب في أي حتة أنا مش هعرفك كفاية اللي حصل طول اليوم.
نظرت إليها بهاء في صمت ليس لأنها غير قادرة على الرد عليها بل لكون عقلها مشغولا بالتفكير في أمر بعينه وشعورها بالضيق يتعمق في وجدانها. استمرت بسنت تخاطبها على نبرتها اللائمة
بجد أنا جسمي ساب من بعضه وبطني قالبة عليا لأ والتاني جاي يجامل ويشلني هيتقال عني إيه أكتر من كده
ضغطت بهاء على شفتيها متمتمة وعيناها تتجهان تلقائيا إلى حيث يقف عمر وسط الشابات المتحلقات من حوله
وأنا هعرف منين إن كل ده هيحصل ما أنا زيي زيك.
مسحت صديقتها بمنديلها الورقي عرقها البارد من على جبينها وأنذرتها بغير تساهل
أهوو تحذير للي جاي احنا كفاية علينا دراسات عليا وتعليم.
سرعان ما رفعت بسنت رأسها للأعلى عندما جاء أمير ساحبا مقعدا من الطاولة القريبة ليضعه في مواجهتها حتى يجلس عليه ابتسم لها متسائلا في نبرة مهتمة
عاملة إيه دلوقت
كانت ترسل له نظرات حادة كأنها عائدة من رحلة مۏت لا رحلة تدريبية مألوفة تصلبت في جلستها وجاوبته بتذمر
مش كويسة خالص.
مد يده ناحيتها بشريط دوائي موضحا لها
الدوا ده هيساعدك تبقي أحسن هو علشان غثيان المعدة.
أخذته منه قائلة في تبرم منزعج
يا ريت تبطلوا مفاجآت تاني أنا جبت أخري.
اتسعت ابتسامته اللطيفة نسبيا وهو يعلق بهدوء
خلاص معدتش فاضل في تدريبنا إلا المحاضرة الختامية وتسليم الشهادات.
في التو همهمت وهي تدس قرص الدواء في فمها بتعجل
الحمد لله يا رب ربنا ما يعودها أيام.
عاتبها في رقة قاصدا التعبير عما يجوس في نفسه
ليه بس كده ده أنا حتى مبسوط بوجودك فيه.
رمشت بعينيها مرددة بلا صوت وكأنها لم تستوعب بعد اعترافه الغريب
هو بيعاكسني ولا إيه
في تلك الأثناء غزت الحمرة وجه بهاء عندما أمسك بها عمر وهي تنظر إليه بتركيز لم يحد ببصره عنها وظل يطالعها بنظرات قوية ثابتة أجبرتها في النهاية حينما تداركت أنها أطالت التحديق به
متابعة القراءة