رواية ضبط واحضار بقلم منال سالم
المحتويات
على إشاحة عينيها بعيدا محاولة التغلب على شعور الضيق الذي ما زال يلازمها منذ أن كانت على المروحية وشاهدت غيرها تغازله بأريحية واستمتاع. أرادت أن تبدو غير مبالية بما يقوم به من تصرفات لأن شأنه ببساطة لا يخصها مثلما كانت من قبل معه لكنها وجدت صعوبة في العودة إلى نقطة البداية وكيف تعود وفي أعماقها انتفض شيء ما من أجله تضاعفت خفقة قلبها پعنف عندما سمعت صوته قريبا للغاية يسألها لترفع وجهها دفعة واحدة للأعلى ناظرة إليه
لم تنطق بكلمة وكأن
الكلمات قد تبخرت من على طرف لسانها في حين تولت بسنت الرد باندفاع مبرر
مش تمام هو احنا مزعلينك في حاجة يا سيادة الرائد لسه شايل مننا من ساعة اللي حصل!!
أجابها في هدوء وقد حول نظره تجاهها
لأ بالعكس أنا نسيت الحوار ده...
ثم عاد لينظر بإمعان نحو بهاء وهو يكمل جملته بنبرة ذات مغزى
في طريقته المبطنة لوصف أهميتهما لديه استشعرت بهاء أنه يحتفظ بمشاعر خاصة لكلتيهما ربما زائدة إلى حد ما تجاهها فكانت راضية نسبيا. استمرت بسنت في عتابه
أومال لو مكونتش بتعزنا!
على نفس النبرة الجادة أخبرها
كل ده لمصلحتكم وعلشان عضمك ينشف ويبقى عندكم خبرة تفيدكم.
ده معدتش في عضم خالص.
قال مترفقا
بكرة هتعرفي إن ده كان في مصلحتكم.
كانت على وشك التفوه بشيء لولا أن اقتحم جلستهم هؤلاء الشابات المتطفلات حيث قامت إحداهن بالإلحاح على عمر بقولها المتدلل
عايزين نتصور مع حضرتك يا سيادة الرائد بليز ما ترفضش.
شبك يديه خلف ظهره ليبدو منتصبا في وقفته الشامخة وقال بلا ابتسام
وافقه أمير في الرأي معلقا
فرصة نوثق اللحظة.
لحظتها رفعت بسنت يدها معترضة
أنا مش معاكو في الصورة دي.
غامت تعبيرات أمير بشكل ملحوظ وسألها مستفهما بتوجس
ليه بس
أتى ردها عفويا وهي تشير إلى هيئتها
أتصور إزاي وأنا في أسوأ حالاتي
دون أن تفتر ابتسامته العذبة أخبرها وكأنه يتغزل بها بصورة متوارية
حملقت فيه بعينين متسعتين فبادلها نظرة مهتمة جعلتها تخجل في الحال لتدير رأسها بعيدا عنه عندما تكلمت إحدى الشابات في دلال مصطنع
يالا يا سياة الرائد.
آنئذ تجاهلها عمر ليوجه كلامه إلى من يهتم بأمرها حقا
تعالي يا أستاذة بهاء معانا.
ازدردت ريقها رافضة بتجهم ملحوظ
أوضح لها عن قصد ونبرته لا تبدو ممازحة على الإطلاق
دي صورة جماعية مش حاجة فردي أو خاصة.
لحظتها نظرت إليه مرة ثانية بتحير لتجده يرمقها بنظرته القوية فاستسلمت قائلة بحرج طفيف
حاضر هجيب صاحبتي وأجي.
انتظر انتظام الجميع في صفين متوازيين الشابات تقفن في حذا بعضهن البعض في الخلفية ومن أمامهن الشباب يركعون على ركبة واحدة متأهبين لالتقاط الصورة التذكارية الخاصة بانتهاء جولتهم في القاعدة الجوية. تأكد عمر من جعل الجميع يتمركزون في أطوال متناسقة لغرض ما في نفسه ثم أفسح المجال له ولمن عاونه في ذلك التدريب بالوقوف في المنتصف. تفاجأت به بهاء ينقلها من موضع وقوفها المتطرف إلى جواره فرفعت حاجبيها للأعلى متطلعة إليه في ذهول مشوب بالاحتجاج فأخبرها دون أن يبتسم
ده أفضل.
اعترضت عليه بصوت خفيض
بس في أطول مني وكده ال...
قاطعها بصوته الحازم
أنا القائد وأحدد مين يقف جمب مين.
ضيقت عينيها باسترابة خاصة حينما تكلم بأسلوبه الغريب
وبعدين كده وشك هيبان أكتر.
زحفت الحمرة الدافئة إلى وجنتيها لتشعرها بسخونة عجيبة تجتاح أوصالها ما لبث أن تضاعفت وهو يخبرها بخفوت
وأنا عايزك جمبي!
تخشبت في موضعها مصډومة لا تعرف بماذا تجيب أو تعلق اكتفت فقط بالترديد في عقلها
أكيد اللي أنا حساه ده مش أوهام!
حاولت التظاهر باللا مبالاة آملة ألا يحس بالارتباك الذي يختلجها وهي تجاوره في وقفته المعتدة بنفسه ومع هذا أحست بالتفرد والتميز وبكونها استثنائية رغم كون تصرفه قد يبدو عاديا للبعض.
حينما وصل الجميع إلى الأكاديمية بدأ الحشد في الافتراق كل متجه إلى سيارته أو إلى منطقة ركوب الحافلات من أجل العودة إلى المنزل والاسترخاء. كعادتهما وقفت بهاء مع بسنت في الجراج الخارجي تثرثران عن موجز ما دار قبل أن تتساءل الأولى باستغراب وعلامات
الحيرة تكسو وجهها
مش كانت معاكي العربية إنتي ركناها فين
أجابتها بعد تنهيدة سريعة
أيوه بس أخويا جه وخدها وعايزني أحصل العيلة على النادي الظاهر هيتقابل مع العروسة الجديدة.
بدت نبرتها ساخرة نوعا ما وهي تسألها
وإنتي هتروحي بالشكل ده
ردت بتهكم ناقم
تخيلي! علشان الأناقة تكمل...
ثم تشبثت بذراع رفيقتها تطلب منها بوجه متوسل ونبرة مستعطفة
ما تيجي معايا أهوو نقعد نرغي سوا ونفضنا من جو الشجر والليمون اللي حاصل.
انتشلت ذراعها منها لتستعيده قائلة وهي تبتسم
ماحبش أكون عزول.
زمت شفتيها مرددة
ماشي يا بيبو سبيني لوحدي في الأزمات...
ثم غمزت لها بطرف عينها قائلة في لؤم
لو في جديد عرفيني.
رغم فهمها إلى ما ترمي إليه صديقتها في سؤالها المتواري إلا أنها ادعت الجهل وزوت ما بين حاجبيها متسائلة
جديد في إيه
ضحكت في مرح قبل أن تخبرها
وربنا إنتي فاهمة بس غاوية تعملي عبيطة!
لكزتها برفق في ذراعها هاتفة
خلاص بقى.
لوحت لها بسنت بيدها لتودعها
سلام يا قلبي.
بادلتها التحية وانتظرت في مكانها تبحث في هاتفها عن أقرب سيارة أجرة يمكن أن تقلها إلى منزلها.
سألها في اهتمام
إنتي مش هتروحي مع صاحبتك ولا إيه
جاوبته وهي تبتسم
لأ عندها مشوار وهطلب عربية تجيلي.
تفاجأت به يقترح عليها في لباقة
أنا ممكن آ....
لم يتمكن من عرض اقتراحه حيث رن هاتفها فجأة باتصال غريب من زوجة عمها فطلبت منه بخجل
ثانية معلش هرد على مرات عمي.
تفهم مقاطعتها له وأصغى إليها وهي تخابرها
أيوه يا طنط فادية..
رأى كيف تبدلت تعبيراتها المتوردة إلى أخرى شاحبة في طرفة عين وصوت زوجة عمها ېصرخ من الهاتف
إلحقي يا بهاء عمك وقع من طوله ونقلناه على المستشفى.
قڈف قلبها ړعبا وسألتها في فزع
بتقولي إيه عمي ماله
استمرت نبرة فادية على صړاخها وهي تعلمها
معرفش أنا لواحدي حصليني يا بنتي أوام.
سألتها وقد بهتت كامل تعبيرات وجهها
طب هو في مستشفى إيه
أنهت معها المكالمة لتدور حول نفسها في توتر وقلق فالصدمة جعلت عقلها يتوقف عن التفكير بمنطقية للحظات اعترض عمر طريقها متسائلا في استرابة
في إيه اللي حصل
بدأت الدموع تنساب من مقلتيها خوفا وهي تجاوبه
عمي تعب ووده المستشفى أنا معرفش ماله.
أشار لها بيده لتهدأ قائلا
إن شاء الله خير ما تقلقيش.
ثم أخرج مفتاح سيارته من جيبه متابعا في لهجته الآمرة
تعالي معايا أنا هوصلك.
لم تعترض عليه وانصاعت صاغرة لتلحق به وقلبها يدق في ارتعاب شديد. لم يتوقف لسانها عن الدعاء له بظهر الغيب طوال المسافة إلى المشفى راجية المولى عز وجل أن ينجيه من محنته الصحية الطارئة.
طوال الطريق إلى المشفى المتواجد به عمها حاول عمر مواساتها بالكلمات المطمئنة ليخفف من وطأة الأمر عليها خاصة حينما تصل إلى هناك وتعرف أكثر عن طبيعة حالته المړضية فتبدو متهيأة نسبيا لما يمكن أن تواجهه .. حقا بدت بهاء ممتنة لوجوده وإلا لما تماسكت أمام زوجة عمها المغلوبة على أمرها. فور أن استعلمت من استقبال المشفى عن مكانه استقلت المصعد في الحال لتتواجد في الطابق الماكث به ركضت حتى نهاية الرواق المستطيل عندما لمحت فادية واقفة أمام باب
متابعة القراءة