رواية ضبط واحضار بقلم منال سالم
المحتويات
الخاصة بالتدريب العملي فكما أخبرتها رفيقتها في وقت سابق أنه من المفترض أن ينتقلوا لمكان آخر بعد تجمع المشاركين في الدورة التدريبية للبدء في تلقي الجزء العملي على أرض الواقع. بالطبع كان الاختباء عن الأنظار هو الاختيار المتوقع بعد لقائهما السابق لهذا فضلت بهاء المكوث في المؤخرة وترك من يفوقها طولا يقفون في المقدمة. كانت ممتنة كذلك لغياب أنس عن التدريب وإلا لما سلمت من مضايقاته المستفزة يكفيها مرتها الأخيرة التي بالكاد تعافت منها.
حالة الطوارئ.
اشرأبت بهاء بعنقها للأعلى قليلا لتتمكن من رؤية عمر حينما أخذ يتحدث بشيء من الإيضاح
انتشرت همهمات خاڤتة بين الواقفين وعمر لا يزال يخاطبهم في لهجته الجادة
العملية دي مكلفة جدا لكنها أمر أساسي من أجل حماية الأرواح البريئة والاستفادة من
صمت للحظات وعيناه تطوفان على الأوجه الحائرة والمتسائلة قبل أن يستطرد مرة أخرى
ما زال الجميع في حالة من الاستغراب والتردد ورغم هذا كان على درجة عالية من الثقة والكفاءة وهو يسترسل في شرحه
والمفروض هنقوم بعملية التطهير اليدوي للألغام والمطلوب من حضراتكم تحديد أماكن الألغام الوهمية باستخدام المجسات الحرارية وفي فريق متخصص هيقوم بفكها وتنظيفها.
ارتفعت الهمهمات نسبيا وبدت الوجوه قلقة ومضطربة لذا أشار بيديه قائلا في صوت حازم
مش عايزكم تقلقوا احنا هنكون معاكم وفي فريق متخصص هيساعدكم ويرشدكم طوال التدريب.
لحظتها هدأ الصخب فأكمل محذرا بجدية شديدة
بس لازم تحطوا في دماغكم إن أول خطأ هو الأول والأخير يعني الغلطة تكلفتها حياتك.
هو كده بيطمنا يعني
سمعت شكواها رفيقتها المرتاعة وهتفت پذعر راح يتصاعد بسرعة الصاروخ لمجرد تخيل تجربتها للأمر
أنا هيغمى عليا!
انتبهت الاثنتان إليه عندما تكلم مرة أخرى مشيرا بيده نحو كومة من الثياب مرصوصة بنظام عند الخيام
في لبس خاص مجهزينه لحضراتكم بعدد كل الحاضرين النهاردة وطبعا راعينا اختلاف المقاسات بينكم.
في أي أسئلة قبل ما نقسمكم لمجموعات
تخلت عن رهبتها لتتحلى بقدر من الشجاعة فرفعت من نبرتها وسألته بتحد
معلش يعني هو احنا المفروض نشارك في الحكاية دي اللي أقصده إن ده دور الراجل!
فجأة أديرت كافة الأعنق ناحيتها ليحدقوا فيها باستغراب فأحست بالحرج لتسلط الأنظار عليها لكنه لا يقارن بنظرة عمر القوية المصوبة نحوها دون غيرها تقدم بخطوات ثابتة تجاهها فكان من يمر بجواره يتنحى للجانب وكأنه يسهل عليه الطريق للوصول إليها خاصة وهو يخاطبها بثبات
معلوماتك غلط لأن حوالي 25 من المشاركين في عمليات نزع الألغام على مستوى العالم من النساء ده غير إن نسبة كبيرة جدا منهم موجودين في الأمم المتحدة وبيساهموا بدور فعال في حل الأزمة دي يعني نقدر نقول باختصار إن دورهم لا يقل عن دور أي راجل بيقوم بالنوع ده من المهام الخطېرة.
أنهى جملته الأخيرة وهو يقف في مواجهتها ليبتسم قليلا بغموض قبل أن يطلب منها
وعلشان كده هنبدأ بيكم الأول!
حملقت فيه بهاء بنظرة مذهولة في حين قفزت بسنت في مكانها مذعورة وخرج صوتها كالصړاخ وهي تتساءل
مين
حاد ببصره عنهما لينظر إلى الحاضرين قائلا
الأستاذة بهاء وصاحبتها هيكونوا أول المشاركين معانا...
لقد وضعها حقا في مأزق فقبل أن تبدي بهاء اعتراضها أو حتى ترفض أن تخوض التجربة أولا كنت مدفوعة للأمام وبتشجيع من الشابات المشاركات أيضا في التدريب لخوض هذه التجربة المخيفة. استطاعت أن تسمع صوته يستحثها على المضي قدما
احنا نحب نشوف إبداعكم وتفوقكم في المنطقة أ.
كانت بسنت ترتجف كليا فأشفقت عليها بهاء وخاطبتها ساخرة وهي تسير بجوارها
استودعك الله أشوفكم في الآخرة في جنة الخلد
بينما استمر عمر في توجيه أوامره للبقية
ودلوقت هقسم حضراتكم لمجموعات من فردين ل 3 أفراد.
واصلت بهاء تقدمها نحو إحدى الخيمات بعدما استلمت ثيابها الجديدة لتستدير ناظرة نحو عمر الذي كان يتابعها بنظراته المستمتعة لوح لها بيده وكأنه يتحداها أن تصمد في مهمة لا تفقه فيها شيئا وقد كان محقا في ذلك!
بعد قيامهما بتبديل ثيابهما الرياضية إلى أخرى واقية وضعت كلا من بهاء وبسنت خوذة على رأسيهما وقناعا شفافا أمام وجهيهما لتبدأ الاثنتان في التحرك
مع مرشد مجموعتهما ليستمعا بإصغاء وانتباه لما يمليه عليهما من أوامر لإجراء التجربة العملية في المنطقة الخاصة بهما بينما يراقب الجميع ما تقوما به بتركيز شديد.
باستخدام الحبال والعصي وذلك المجس الحراري حددت كلتاهما المناطق التي تم التأكد من خلوها من الألغام ليتمكن غيرهما من السير عليها بسلاسة وبلا خوف. ظنت بسنت أن المسألة في غاية السهولة لذا تقدمت في تعجل وبلا حذر نحو الأمام فتسببت في الضغط بقدمها على لغم خفي لم تره ليصدر صوتا مفزعا بجانب نثر المياه الملونة عليها قبل أن تطرح أرضا وكأنها تعرضت للهلاك مجازا بالطبع طال الضرر رفيقتها وارتمت على الأرضية شبه الطينية فكانت مثلها في حالة رثة.
من مسافة لا تبدو بعيدة عنهما تقدم عمر ناحيتهما بخطى مسرعة ليقول مشيرا بيده لمن جاءوا خلفه
ده مثال حي للي هيحصل على أرض الواقع لو استهنا بالأمر ودوسنا على اللغم زي الأستاذة بس الفرق إنك هتكون أشلاء.
حل الامتعاض على كافة تعبيرات وجه بهاء ومع ذلك تجاهل ما يظهر على ملامحها ليكمل وهو ينظر إليها من علياه
طبعا لو لابسة بدلة واقية راسك هتطير وتتفتت بس باقي جسمك هيكون مع بعضه.
دمدمت في صوت مستنكر خاڤت وهي تستند بمرفقيها على العشب الرطب
كده أنا المفروض أرتاح يعني
لم يبتسم وواصل الحديث إلى باقي الواقفين لتنهض بعدها بهاء من رقدتها المهينة قبل أن تتجه نحو رفيقتها وتعاونها على القيام لتسمع صوته يجيء من خلفها ليحذرها بصرامة
يا ريت ناخد بالنا أكتر من كده.
هزت رأسها في طاعة قبل أن تتجمد في موضعها عندما أكمل أوامره
اتفضلوا عيدوا من الأول بس في المنطقة ج.
برزت عيناها في محجريهما متسائلة بذهول
احنا مش موتنا خلاص هنجرب تاني ليه
زجرها هاتفا بنظرة قاسېة
هنهزر اتفضلي.
أومأت برأسها وهمهمت بتذمر ساخط
أوكي حاضر هروح أهو.
كان تأثير الوقعة كبيرا على بسنت فبدت مترنحة إلى حد ما وتساءلت وهي لا تصدق ما فاه به
هو احنا هنعمل زي ما قال
جاوبتها ساخرة في تهكم أكبر
أيوه تم بعثنا من جديد وهنقوم نشوف هننفجر إزاي من تاني لأن المرة الأولى مش أد كده مدخلتش مزاجه.
ضبطت بسنت الخوذة على رأسها مبدية تذمرها الشديد
يا ختاي! أنا مافياش
متابعة القراءة