رواية ضبط واحضار بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز

حيل للانفجار أكتر من كده.
أخذ العرق يتفصد من جبينها وهي تعيد تكرار التجربة مرارا وتكرارا كانت بهاء مرهقة للغاية يسيطر عليها التعب ناهيك عن تلطخ وجهها بالتراب وامتزاجه بعرقها فأصبحت ملامحها مخبأة تحت الطين والأغبرة. هذه البقعة تحديدا احتوت على مئات الألغام وكأن درجة الاختبار تزداد صعوبة بانتقالهما من منطقة لأخرى أثناء إجراء المحاكاة الميدانية وبالتالي بذلت مجهودا مضنيا للتركيز ولتجنب خطړ التعرض للمۏت المفاجئ. سارت بسنت على حذاها وهي تسألها
هو احنا انفجرنا كده كام مرة
فيما يشبه السخرية أجابتها بعدما توقفت لتأخذ نفسها
بتاع 15 مرة.
ردت عليها في يأس
يا لهوي احنا فشلة أوي.
جاء تعقيبها ساخطا
أكيد تقييمنا هيكون تحت الصفر في التدريب ده.
حين رفعت بسنت رأسها للأعلى لتنظر أمامها تسمرت وهتفت في فزع
صاحبنا جاي علينا.
من تلقاء نفسها استدارت بهاء لتتجنب مواجهته وخاطبت صديقتها بتجهم
اديله ضهرك أوام كأننا مش شايفينه.
أيدتها في الرأي وقالت وهي تفعل المثل
معاكي حق مش ناقصين تنمر منه.
أضافت عليها بعدئذ في سخرية مريرة
ده كفاية إننا بقينا ملطشة الأكاديمية زمانهم عملوا مننا كوميكس للواتساب.
المرادي إنتو أفضل..
توقفت عن البحث لتلتفت ناظرة إليه بتعجب مشوب بالشك فوجدته ينظر إليها بشيء من الإعجاب قبل أن يتابع مادحا
مهاراتكم اتطورت وقدرتوا تحددوا أماكن الخطړ بدون ما تخلصوا على نفسكم.
سمعته بسنت فتنفست الصعداء هاتفة في صوت مرهق
أخيرا!
بينما رددت بهاء بهزة خفيفة من رأسها
الحمد لله.
مرة أخرى أثنى عمر على أدائهما قائلا كنوع من التشجيع لهما
برافو استمروا على كده.
في تذمر شبه مستتر تساءلت بهاء وهي تزيح الخوذة عن رأسها
طب ممكن نرتاح شوية أنا تعبت.
أبدى موافقته في هدوء
معاكو بريك لمدة ربع ساعة قبل ما ننتقل لمنطقة تانية.
لوت ثغرها مدمدمة بسخط
وجاي على نفسك ليه
لم يتبين بوضوح ما فاهت به فاستطرد
أفندم! عيدي اللي قولتيه.
أعطته عذرا كاذبا وهي تتصنع الابتسام السخيف
ده أنا بقولك شكرا على ذوقك.
ما إن ابتعد عنهما حتى رمت بسنت
بثقل جسدها على الأرضية الترابية وجلست تشكو في ألم
أنا مش حاسة لا بأعصابي ولا برجلي ولا بأي حتة في جسمي.
تطلعت إليها بهاء بلا تعليق ونظراتها تشيح في الفضاء فأكملت رفيقتها ندبها التعس
أنا عايزة أتستت وأقعد في البيت كار ال مش بتاعي.
كانت تتوق حقا إلى الاستلقاء والاسترخاء والاستحمام فجسمها بالكامل أصبح مغطى بالتراب وممزوج بالعرق شعرت بهاء وكأنها أشبه بمن تم دفنه أسفل الرمال للاستشفاء مع فارق أن ما يحدث الآن ليس نوعا من الاستجمام وإنما بدافع التدريب وهي رغما عنها مكلفة بإطاعة الأوامر. حينما غسلت وجهها بماء ذلك الصنبور البدائي المجاور للخيمات ورأت كم التراب الذي سقط عن بشرتها أدركت أنه لا داعي للنظر في المرآة لرؤية كيف صارت هيئتها بالطبع لم تكن في أجمل صورها نظرت بطرف عينها نحو بسنت حينما تذمرت وهي تفرغ معظم علبة مناديلها الورقية لتجفف به يديها المبتلتين
الواحد عايز يتصنفر من تاني علشان يشيل أطنان الطين اللي عليه.
بعدما استقامت واقفة ابتسمت بهاء معقبة عليها في سخرية
صحيح الواحد كان نفسه يعمل حمام مغربي بس مش للدرجادي ده أنا اتردمت ده ناقص يتحط علينا مونة ويرموا الأساسات.
ردت عليها صديقتها وهي تفرك بيدها فقرات عنقها المتيبسة
بجد الله يكون في عون اللي بيتدربوا كده أنا كام ساعة وهلكت.
قامت بهاء بتدليك ذراعها قليلا لتخفف من الألم الصارخ في عضلاتها المتعبة لتتحرك من مكانها قائلة 
مش عايزة مسكن
أجابت في شيء من التمني 
أه يا ريت لو معاكي.
راحت تقول وهي تشير بيدها
في واحد في الشنطة بتاعتي تعالي معايا أجيبهولك من خيمة البنات.
بدت ممتنة لوجوده معها وسارت كلتاهما تتأبطان ذراع بعضهما البعض نحو خيمة الشابات لتضيق فجأة عينا بهاء باسترابة وهي ترى التحام مجموعة من الشباب الحانق من مسافة لا
همهمت بسنت في تلقائية
شكلها خناقة.
ردت بهاء بتوجس
ما تخلينا نبعد.
أصرت على البقاء للمتابعة هاتفة بتصميم
استني أما نشوف هتخلص على إيه.
احتد الجدال أكثر وراح الشاب الآخر يرد بغلظة
وإنت يعني اللي بتفهم ما إنت تور الله في برسيمه.
في التو زادت حمئة الأول ونعته بلفظ ناب
تصدق إنك عيل ...!
جرحه لكرامته الرجولية وإهانته بهذا الشكل الڤاضح والفج جعلته يثور ڠضبا فأراد الاڼتقام ممن أساء إليه فھجم عليه بعداوة وشراسة ليلكمه في وجهه ليتحول الآخر لوحش حاقد ويرد له الصاع صاعين هنا صړخت بسنت في ذهول 
أوبا دول مسكوا في بعض!
لجأ الشابان للإمساك بكل ما تطاله أيديهما للتشابك في خشونة وحدة فالتقط أحدهما عصا خشبية ورفعها في الهواء ليضرب بها ظهر الآخر بقسۏة فأسرع الأخير بالتقاط قالب من الطوب ليقذفه ناحيته بقوة فانحنى ليتفاداه وحينما تجاوزه وصل كالقذيفة نحو المتفرجتين من مسافة عدة أمتار لتصرخ بسنت محذرة رفيقتها في ذعر 
حاسبي يا بيبو!
لم تتمكن بهاء من الابتعاد في اللحظة المناسبة عن موضع الخطړ فاصطدم القالب بساقها وأصابها بالألم الشديد لتصرخ من الۏجع القاسې
أي!
انحنت لتتفقد مكان الإصابة وإلى جانبها رفيقتها التي تحول فضولها إلى خوف في لمح البصر بينما ظهر عمر من العدم ومعه بضعة ممن يعملون تحت قيادته ليقوموا بفض هذا التلاحم البشري بقوة شديدة وصوته يرن في الأرجاء
في إيه إنت وهو!!!
نجح هو ومن معه في إبعاد الشباب المتشاحن وتساءل بصوت جهوري مزعوج للغاية 
إنتو فاكرين نفسكم فين
وقعت أنظاره على بهاء وبسنت فصارت عيناه قاسيتان حيث ظن باعتقاده الخاطئ أنها مشاجرة معتادة تخص معاكسة الفتيات للظفر بإعجابهن ولكونهما يقفان في وسط المشاحنة المحتدمة فأساء الفهم وفسر الموقف بشكل مغاير للحقيقة لهذا قرر التصرف فورا وبحزم فما كان منه إلا أن صب جام غضبه على كل الموجودين وهدر آمرا أحد رجاله بصيحة مجلجلة جاعلا من حوله يضطربون قلقا
هاتلي الشرطة العسكرية أوام وأمسك كل اللي واقفين هنا!
آنئذ تشبثت بسنت بذراع رفيقتها وكأنها تتخذها درعا بشريا لحمايتها لتردد في ذعر ونظرات الهلع تطل من عينيها
الحقي يا بهاء بيقولك الشرطة العسكرية احنا كده روحنا ورا الشمس.
اللجوء لذلك الحل
الصارم يعني التعرض لمشاكل جسمية ربما لن تنجو أيا منهما منها بسهولة لذا هتفت بهاء دون تفكير وهي تستحث رفيقتها على التراجع والفرار قبل فوات الأوان
تعالي نجري قبل ما يشوفنا.
تسمرت كلتاهما في موضعهما بفزع كبير عندما أتى صوته القوي من خلفهما بما تضمن الټهديد العلني
وهاتلي الجوز دول كمان بدل ما يتعملهم أمر ضبط وإحضار !!!!
يتبع الفصل السادس
الفصل السادس
الفصل السادس
في لمح البصر تحولت من ضحېة مجني عليها إلى مدانة ومتهمة بالمشاركة في إحداث الشغب بالمعسكر التدريبي جمدتها الصدمة وحين استوعبت ما يحدث وجدت عمر قد ابتعد عن محيط المكان وأفراد الشرطة العسكرية قد أحاطت بالجميع من كل اتجاه ليقوموا بعدها باقتياد أصحاب المشاجرة نحو المبنى الخاص بالضباط والقيادات العسكرية للتحقيق معهم. اعترضت بهاء على مسألة اعتقالها هي ورفيقتها بلا وجه حق ورفضت التحرك أو التجاوب مع أي منهم لتظل باقية في مكانها.
رفعت من نبرتها المستهجنة مدافعة بقوة عن موقفها البريء
احنا معملناش حاجة علشان نتاخد كده في الرجلين.
رد عليها الضابط العسكري في نبرة هادئة لكنها رسمية
يا أستاذة من فضلك تعالي معانا بلاش تصعبي الموضوع عليكي وعلينا.
تشبثت برأيها العنيد أكثر وهتفت بتصميم
اللي بيحصل ده فيه تعنت وظلم
تم نسخ الرابط