رواية ضبط واحضار بقلم منال سالم
المحتويات
البوابة اعتذرت بسنت عن الذهاب معهما وكانت حجتها منطقية فقد أتت بسيارتها ولهذا تحتاج إلى العودة بها إلى منزلها لهذا تركت رفيقتها تذهب بصحبة عمر الذي سعد للغاية من حدوث هذه المصادفة فقد وجدها فرصة طيبة للحديث معها بأريحية لإذابة حواجز الجليد بينهما وخلق نوع من الترابط الودي.
صاحبتك جدعة أوي.
بابتسامة صغيرة مرتبكة علقت بهاء عليه
جاء تعقيبه مدهوشا
ياه ده من زمان أوي.
تابعت في نبرة فخر
احنا يعتبر متربيين سوا.
رد عليها وهو شبه يبتسم
أنا عندي زمايل من أيام ابتدائي بس مش على اتصال أوي يعني ممكن نتكلم كل فين وفين.
تنحنحت قائلة دون أن تنظر نحوه
هو حلو إن الواحد يفضل على تواصل مع أصحابه ويفتكر معاهم أيام زمان.
فعلا.
أثناء جلوسها معه في السيارة بمفردهما توقف عند أقرب سوبر ماركت ليشتري منه بعض العصائر وقطع الحلوى أعطاها ما ابتاع فاعترضت عليه هاتفة بحرج
مالوش لزوم.
تجاهلها وعاد ليركب خلف المقود مكملا قيادة السيارة حاولت التغلب على تلبكها المتزايد واستطردت تحادثه دون أن تنظر إليه كعادتها منذ أن استقلتها بجواره
قال بعد زفير مقتضب
ما تقوليش كده.
خيم الصمت بينهما مرة ثانية فقطعه بسؤاله الروتيني
عم سليمان أخباره إيه
ردت بهاء بابتسامة صغيرة
الحمد لله تمام.
بشكل آلي رد
دايما يا رب.
بدا وكأنه من الصعب عليه إيجاد المناسب من الكلمات لخلق أي حوار معها ومع ذلك استطال الحديث بسؤالها المهتم حقا
معدتش فاضل في التدريب كتير ناوية على إيه بعد كده
لسه مافيش حاجة محددة في دماغي بس أكيد هدور على شغل.
استطرد في تفاؤل
إن شاء الله تلاقي حاجة مناسبة.
أومأت برأسها قائلة
يا رب.
حاولت هي الأخرى مجاراته في الحديث فقالت وهي تجول ببصرها على حركة المرور المحيطة بها
الدنيا زحمة أوي النهاردة.
أتى رده عفويا
ده من حظي.
تنبهت لجملته النزقة فحاولت التعديل عليها بتبريره المذبذب نسبيا
حمحمت هاتفة بوجه متورد
أيوه وقت الموظفين.
سألها في اهتمام غريب
تحبي تشربي حاجة
قالت وهي تشير إلى ما هو موضوع في حجرها
ما إنت لسه جايبلي.
ابتسم مضيفا في حبور
علشان تعوضي الډم اللي فقدتيه.
عقبت في امتنان
شكرا أنا والله كويسة.
في تلقائية أخبرها وكأنه يعطيها نصيحة ما
أكيد والدك ووالدتك هيقلقوا لما يشوفوا بلوزتك متبهدلة بالشكل ده
ابتلعت غصة عالقة في حلقها وقالت ودموعها الرقراقة قد تسربت إلى حدقتيها
ماظنش هيقلقوا هما ماتوا من زمان الله يرحمهم.
تفاجأ بتصريحها الصاډم فحل على قسمات وجهه ذاك التعبير المدهوش واعتذر منها بشدة
أنا أسف جدا مكونتش أعرف.
مسحت بيدها ما تسلل من طرفيها وقالت باقتضاب
ولا يهمك.
لعڼ نفسه بلا صوت لأنه تسبب في إيذائها برعونة حديثه
أنا غبي! كان لازم أنطق بكلام زي كده!
تظاهرت أنها مستغرقة في تأمل الطريق بينما كانت تقاوم قدر استطاعتها عدم الانخراط في نوبة بكاء متأثرة خاصة وقد ساد الصمت بينهما ليشعرها بمدى صعوبة تجاوز خطأه غير المقصود. عندما تباطأت سرعة السيارة استعدت بهاء للمغادرة على الفور استوقفها عمر قائلا وهو ينظر إليها كالمعتذر
حمدلله على سلامتك.
قرأت ما احتوته نظرته من ندم وأسف وردت مبتسمة ابتسامة باهتة
الله يسلمك وشكرا ليك.
قال وهو يحاول مبادلتها الابتسام
سلمي على عم سليمان.
حركت رأسها بهزة خفيفة قبل أن تقول
حاضر يوصل.
ظل يتابعها بنظرته المهتمة إلى أن اختفت بداخل بنايتها لحظتها ضړب بقبضته المتكورة على المقود في عصبية مكررا توبيخ نفسه
غبي! هتقول عني إيه دلوقت!
تمنى لو امتلك عصا الزمن السحرية ليعود بها إلى الوراء ويمحي تلك اللحظات العابرة من الذاكرة تماما فلا يبقى إلا كل ما هو عذب ولطيف بينهما فكلما تذكر نزقه المزعج معها كان يركل مقعده في ندم ربما كانت هذه مرته الرابعة أو الخامسة وهو يفعل ذلك خلال جلوسه على مكتبه بغرفته في منزله دمدم عمر مع نفسه في استياء وهو يطوي كتابه المفتوح أمامه بتعصب وضيق
وعامل فيها أبو الذكاء كله وأنا على الله حكايتي.
اقتحم عليه حجرته شقيقه الأكبر ليسأله بفضول مستفز
مالك مكلضم ليه
عبس قائلا بإيجاز
مافيش!
انضمت إليه السيدة نهيرة وهي تحمل صينية بها فنجانين من القهوة وضعت ما يخص ابنها على سطح مكتبه وردت باستغراب
هو على كده من ساعة ما رجع من برا.
أخذ عامر قهوته من والدته معقبا بدهشة مماثلة لها
مع إن القائد بتاعك بيشكر فيك.
انتظر عمر انصراف والدته ليتساءل بفضول حذر
بقولك هو إنت تعرف إن أخو عم سليمان مېت من زمان
نظر إليه في تحير قبل أن يرد عليه متسائلا
عم سليمان مين
أخبره بحاجبين معقودين وملامح متجهمة
صاحب أبونا.
وكأن ذاكرته قد تنشطت واستفاقت من سباتها ليخبره مسترسلا في الحديث
أها الراجل الطيب ده أيوه كان عمل حاډثة مع مراته زمان ربنا يرحمهم...
توقف عامر في منتصف كلامه متسائلا بمكر
بس إنت بتسأل ليه
حاول التهرب من إجابته برده العائم
عادي يعني.
جلس شقيقه الأكبر على طرف مكتبه ليبدو أكثر قربا منه وهو يستطرد في لؤم وهذه الابتسامة الماكرة تتراقص على شفتيه
أيوه عارفها.
غمز له بطرفه متسائلا في تسلية
طب إيه الحوار
تصنع الجدية وهو يرد مدعيا كذلك انشغاله في قراءة كتابه الذي عاود فتحه
مافيش حوار ولا حاجة بسأل عادي.
نهض من على سطح مكتبه ليتجه إلى باب غرفته هاتفا بعد رشفة كبيرة لقهوته
ماشي يا سيدي.
مرة أخرى جاءت السيدة نهيرة وهي تحمل طبقا من ثمار الفاكهة المقطعة وتساءلت
مراتك مجاتش معاك ليه يا عامر
أجابها وهو يعطيها الفنجان الذي انتهى من شربه ليأخذ الطبق منها
ملبوخة مع بنت خالتها العروسة وإنتي عارفة طلبات العرايس اللي ما بتخلصش!
ردت عليه بتفهم
ربنا معاها...
ثم وجهت سؤالها إلى ابنها الأصغر
ها جهزت نفسك علشان تحضر معانا يا عمر
دون أن ينظر تجاهها قال بفتور
هشوف ظروفي إيه!
وقتئذ علق عليه عامر بشيء من التحذير
لأ ضروري تفضي نفسك بدل ما سلمى تزعل وإنت عارف زعلها عامل إزاي.
رفع عمر يده أعلى رأسه ليمررها في شعره متمتما
ربنا ييسر.
لم تكن
من النوع الذي يحب البهرجة في الثياب خلال الأعراس ولا حتى الإفراط في مساحيق التجميل لذا ارتدت على استحياء هذا الفستان الطويل ذي اللون البنفسجي الباهت والمصنوع من مزيج من قماش الحرير والدانتيل ووضعت مقدارا ضئيلا مما يزين بشرتها ولا يجعلها تبدو مبالغة في مظهرها. تأكدت بهاء أيضا من تغطية كتفيها بشال من الشيفون له نفس درجة لون الفستان وجلست بلا حراك على المائدة المخصصة لعائلتها ملاصقة لمقعد زوجة عمها. كلمتها فادية بلهجة شبه معاتبة
يا بيبو هتفضلي أعدة كده
نظرت إليها بلا تعليق فاستمرت في عتابها المنزعج وهي تطوف ببصرها على المدعوين
بصي شوفي البنات حواليكي عمالين يتنططوا إزاي!
بفتور وغير اكتراث ردت
أنا مبسوطة كده.
استحثتها على التخلي عن جمودها المغيظ بقولها المشجع
دي فرصة حلوة ليكي جايز تلفتي نظر حد كده ولا كده.
بنفس النبرة غير المبالية عقبت
مش عاوزة ربنا يعميهم عني!
بدت فادية ساخطة للغاية عندما همهمت
هتفضلي كده عنيدة ومضيعة كل حاجة حلوة من إيدك.
بالطبع كانت متفهمة لضيق زوجة عمها فالأخيرة كانت تسعى بشتى الطرق لتزويجها بهذا العريس اللقطة والذي تجمعه صلة القرابة مع العائلة لكنها رفضت هذا الارتباط قبل عدة أشهر. تقلص كتفي بهاء في توتر عندما جاءت قريبة
متابعة القراءة