رواية ضبط واحضار بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز

المقدمة الأولى
ساورها الشك مؤخرا من تبدل طريقته الحميمية المهتمة إلى أخرى باردة فاترة وشبه متعجرفة تكاد تخلو من أي ودية فقررت مراقبته لمعرفة ما الذي أصابه ليغدو بهذه الصورة المريبة معها وكأنه يقصيها عنه بشكل غير مباشر حينئذ اكتشفت حقيقته الصاډمة كان يداعب غيرها يجالسها بنفس الطريقة القريبة الدافئة في سيارته الجيب السوداء تلك الطريقة المغرية التي اعتاد أن يفعل مثلها معها ليبث لها أشواقه وتنهيداته وحرارة مشاعره وقتها فقط أدركت أنها كانت حمقاء لتصدق إخلاصه ووفائه لها.

كيف يعقل أن تثق بمن سلبها عواطفها ومشاعرها وكل ما ظنت أنها أمنت به يوما المحزن في الأمر أنه كان على النقيض تماما حيث أجاد التأثير على الوجدان والتغلغل في الأعماق بل إنه احتل شغاف القلب فكان من الصعب عليها تجاوز غدره وخداعه ببساطة ودون أن يترك جراحه ندوبا لا تمحى !
الفصل الأول
بخطوات متخاذلة محبطة خرجت من البوابة الزجاجية لإحدى الشركات الحديثة وهي تحمل في يدها مغلف بلاستيكي يحوي أوراق سيرتها الذاتية بحثت عن أقرب صندوق للقمامة وألقته بداخله فلا جدوى من البحث عن وظيفة شاغرة وهي لا تضم بطاقة التوصية أو لها صلة بذوي الوساطة ساعتها فقط ستفتح الأبواب الموصدة ويمهد الطريق لها للحصول على وظيفة مرموقة ومناسبة وإن كانت لا تملك من المؤهلات الدراسية إلا المحدود. 
أخرجت بهاء زفرة طويلة معبأة بموجات من اليأس والضيق وهي تنعت حظها العثر الذي ما زال يعاندها إنها المرة العاشرة التي تتلقى فيها ردا بالرفض المباشر خلال شهر واحد رغم سعيها الدؤوب لإثبات كفاءتها في وظائف شبه متواضعة لا تليق مع ما جمعته من شهادات علمية وأدبية. رفعت رأسها للأعلى وراحت تخبر نفسها في شيء من العزم
الظاهر لازم أكمل طريق الدراسة هو ده الوحيد اللي مفتوح قصادي.
شتتها عن الغوص في أفكارها التعيسة رنين هاتفها المحمول نظرت إلى اسم المتصل فوجدته عمها سليمان توقفت في مكانها متسائلة في تخبط
طب أرد أقوله إيه اطردت قبل ما اشتغل!
عاودت السير مجددا قائلة بعد حسم أمرها
مافيش داعي أكلمه دلوقت هيزعل لما يعرف وأنا مش حباه يشيل همي أكتر من كده.
تركت هاتفها يرن حتى انقطع الاتصال وتلفتت حولها يمينا ويسارا لتحدد أين ستتجه بعدئذ. لفت ناظريها صاحبة الوجه المألوف تلك التي ترتكن بظهرها على إحدى سيارات الدفع الرباعي دققت النظر فيها وهي تتساءل
هي دي مش ميرا
وجدت أحدهم يقترب من رفيقتها وهو يحمل باقة من الورد في يده لم تستطع رؤيته بوضوح لكونه يوليها ظهره لكنها تابعت من موضعها ما يحدث بينهما من انجذاب وانسجام اتسعت عيناها في غير تصديق بل إنها بالكاد كتمت شهقة ڤاضحة عندما تفاجأت به ينحني ليحملها بين ذراعيه بعدما أخذت منه الباقة وكأنه يدلل أميرته المفضلة إليه خجلت من تقاربهما الزائد وخفضت بصرها بسرعة لتقول وهي تستعد للتحرك في الاتجاه العكسي
معقولة دي بيحصل عيني عينك كده ..
تنهدت بتعجل وأكملت حديث نفسها
يا رب يطلع بس الموضوع بجد وتتخطب...
بدت وكأنها تحلق في سماء الأحلام الوردية الزاهية لتضيف بتلهف
ساعتها هتكسر لعڼة العزوبية اللي مسيطرة على شلتنا دي.
شع وجهها بالمزيد من الحماس وهي تتخيل تطور علاقة رفيقتها لتصل إلى الزواج فيزور الحظ السعيد باقي صديقاتها تباعا ويرتبطن واحدة تلو الأخرى. عقدت آمالها وأمنياتها الحالمة على مشهد عابر ربما تراه في الأفلام فقط لكنه كان حقيقيا وواقعا وشهدته بغير قصد فأبهجها وجعلها ترغب في الحصول على من يدللها كالأميرات ويعشقها پجنون.
حالتها المزاجية الرائقة استحثتها على تمضية سهرتها في مشاهدة الأفلام الرومانسية على حاسوبها المحمول ومعايشة لحظات مفعمة بالشوق والمشاعر المرهفة لهذا أعدت العدة لذلك وجلست باسترخاء على فراشها ثم بيد أمسكت بالمشروب وبالأخرى قطعة من البيتزا انتفضت في عينيها فراشات الحب حينما غازل البطل محبوبته بطريقته المخضرمة لم تشعر بالابتسامة المشرقة التي بقيت تتراقص على ثغرها مع كل مشهد يعزز من تعميق المشاعر بين البطلين. فجأة انفلتت منها صړخة مستنكرة عندما انقطع التيار الكهربي وتجمدت الشاشة للحظات قبل أن تنفصل نهائيا لكون جهازها لا يعمل بالبطارية المشحونة. نفخت عاليا وأخذت تدمدم في استياء
تركت كوب المشروب وما تبقى من قطعة البيتزا في الصينية المجاورة لها وسحبت منديلا نظيفا لتمسح البقايا من يديها وهي لا تزال تشكو
حتى الحب الوهمي مش عارفين نعيشه!
أدارت رأسها نحو هاتفها المحمول المتروك على جانب الفراش الأيسر
عندما صدح رنينه مبددا السكون استطالت ذراعها لتلتقطه وأجابت عليه فور أن رأت صورة رفيقتها تحتل شاشته
أيوه يا بسنت.
سألتها رفيقتها في صوت يبدو للوهلة الأولى باكيا
إنتي صاحية
في شيء من الاستغراب المستهزئ أجابتها
أومال هرد عليكي إزاي
اندفعت تقول دون مقدمات تمهيدية أجبرت بهاء على تحفيز كافة حواسها واستنفارها دفعة واحدة
طب في مشكلة كبيرة حصلت واحنا عايزينك معانا فيها!
على هذا الفراش الناعم متوسط الحجم جلست الشابات الأربعة في حالة جمعت ما بين التحفز والضيق يواسين صديقتهن الخامسة تلك التي تبكي بحړقة على ما وصفته بخېانة عظمى لا تغتفر من قبل من اعتبرته حب حياتها اليافع. استلت ميرا المخدوعة منديلا ورقيا نظيفا آخرا من العلبة التي أفرغت ما يقرب من نصفها لتمسح أنفها الرطب وأكملت شكواها المريرة
أنا مجرد رقم في القايمة بتاعته واحدة بيتسلى بيها لحد ما يشوف غيرها تلفت نظره وتغريه وبعد كده أترمى في الژبالة.
فداحة مشكلتها معه لا تكمن في كونها قد أفرطت في التعلق به بل لأنها وضعت كامل ثقتها بشخص أجاد استغلالها من كافة النواحي العاطفية والوجدانية فجاءت الصدمة قاسېة وموجعة لها بشدة. تكلمت بسنت في غيظ وهي تشير بيدها
لازم ننتقم منه ما ينفعش نسكتله.
لحظتها التفتت بهاء صاحبة الملامح الجادة والنظرات الحادة نحوها لتخبرها في عزم 
أومال أنا بقول إيه من الصبح ده لازم يتربى!
اتفقن جميعا ضمنيا على إبداء الطاعة والقبول بما تفوه به بهاء فهي الصديقة الشجاعة المقدامة التي لا تخشى في الحق لومة لائم ولا تهاب من يفوقها قوة وتسلطا. تساءلت صديقتهن الرابعة باهتمام وأعين الجميع مرتكزة عليها تحديدا
قولي يا بهاء بتفكري في إيه
استرخت أكثر في جلستها رغم انتصاب كتفيها وتحدثت بابتسامة ماكرة تشكلت على زاوية فمها
شوفوا أنا حطيت خطة بسيطة بس هتطلع من نافوخه.
انعكس على ملامحهن المزيد من الاهتمام فواصلت إخبارهن بحماس
هخليه يتفضح قصاد الكل ويبقى عبرة.
قمن بتأييدها جميعا حيث كانت بسنت الأسبق في تشجيعها
واحنا معاكي فيها مش هنسيبك.
استدارت بهاء ناظرة مجددا إلى رفيقتها بنظرة صارمة تطل من حدقتيها العسليتين واشترطت عليها بشيء من التشديد
بس مافيش رجوع يا ميرا مش زي اللي قبله!
أكدت لها وهي تجفف دموعها بمنديل آخر
لأ خلاص أنا اتعلمت الدرس قلبي مش هسلم مفتاحه لأي حد يضحك عليا بكلمتين حب والسلام.
رفعت بهاء يدها لتخلل أصابعها في شعرها المحلول لتسوي ما تناثر من خصلاته واستطردت قائلة بينما نظرتها قد راحت تشرد في الفراغ
أتمنى ده.
مساعدته غير المباشرة عن طريق الاستعانة به لاقتراض سيارته الفارهة وإن كانت بحس نية منه من أجل خداع الفتيات المهووسات بالبحث عن الشريك المثالي صاحب الجاه والسلطة والمال
تم نسخ الرابط