رواية بقى منها حطام أنثى لمنال سالم
أنها لم تعان مثل إيثار .. وها قد حان الوقت لرد الجميل إليها ..
ظلت ترقص بسعادة وتدور في غرفتها وهي تمني نفسها بسعادة حقيقية مع من اختاره قلبها ..
ألقت بنفسها على الفراش وحدقت في سقفية الغرفة وتنهدت بحرارة وهي تقول لنفسها
أخيرا .. ده أنا كنت هيأس خلاص .. هانت !
أغمضت عيناها لترسم في مخيلتها الشكل المفترض لحفل خطبتها المنتظر ..
على مدار الأيام التالية إنشغلت إيثار برعاية الصغيرة ريفان وبمساعدة روان في التجهيز لحفل خطبتها.. واعتذرت عن العمل مؤقتا في الشركة لتتفرغ لمهامها الجديدة ..
لم تتركها للحظة وظلت ملازمة لها في كل تفصيلة صغيرة أو كبيرة لتتأكد من إتمامها على أكمل وجه ...
انتقت روان فستانا ذهبيا ذو ذيل طويل مميز ومرصع بالمفصوص اللامعة ..
أما إيثار فانتقت لنفسها فستانا رقيقا مصنوعا من الحرير الناعم ومن اللون الوردي ..
كان يتميز بأكمامه التي تنساب بوسع معقول لتغطي ذراعيها بالكامل .. وبخصره الذي يبرز تناسق جسدها الممشوق ..
ولم تتردد في تفصيل نفس الموديل للصغيرة ريفان .. لتبدو الاثنتان كتوأم متشابه مع إختلاف العمر والحجم ...
أما الصغيرة ريفان فبدت كملاك رقيق بفستانها الرائع .. وتشبه إيثار بدرجة كبيرة في هيئتها ..
واتفقت الاثنتان على عدم إخبار مالك بما سيفعلاه مع الصغيرة .. لتكون هذه مفاجئتهما له ..
لم يتجادل عمرو مع مالك كثيرا بشأن قاعة الحفل الذي ستعقد في الخطوبة ووافق على مضض على رغبته فقد أصر الأخير على اختيار قاعة فاخرة لإقامة الحفل متحججا بالكم الهائل المدعو من رجال الأعمال لحضور الحفل ...
شكرت روان إيثار كثيرا على دعمها لها في كل شيء وخاصة في مسألة الإرتباط الرسمي بأخيها .. فقد كانت نعم الأخت التي لم تلدها أمها ..
وتمنت لو استطاعت أن ترد لها الجميل أضعافا مضاعفة .. ولكنها على عهدها بأخيها .. ستحقق لها هذا ..
تحركت روان وهي تتأبط ذراع عمرو بخطوات بطيئة بسبب فستانها الثقيل ولكن كان قلبها يطير على جناحي السعادة ..
نظرت إليه بحب وبادلها هو نظرات عاشقة .. وربت على كفها المتعلق في ذراعه بحنو كبير ....
تحرك خلفهما والدته تحية وهي تلقي بحبات الملح فوق رأسيهما اعتقادا منها أنها تحميهما من الحسد ..
شعرت بيد توضع على ظهرها فانتفضت فزعة ونظرت إلى من فعل هذا بتجهم شديد فرأت مالك يبتسم لها بإمتعاض ثم همس لها محذرا
متوطيش تاني ماشي ! مش لازم الناس تشوفك كده
توردت وجنتيها خجلا وأطرقت رأسها في حياء واضح ..
وقف على باب القاعة كلا من إبراهيم وميسرة ليستقبلا المدعوين بترحاب واضح ..
لمعت عيني ميسرة بوميض عجيب حينما وقع بصرها على ابنة أخيها ..
ها هي اليوم تراها عروسا سعيدة مع من إختاره قلبها..
لف ابراهيم ذراعه حول كتفيها وقربها إلى
صدره وهو يقول بصوت هامس
اوعي ټعيطي يا ميسرة
النهاردة ليلة فرح !
ردت عليه بنبرة شبه باكية وهي تكبح عبراتها من الإنهمار
كان نفسي رشاد يكون عايش عشان يشوف بنته وآآ...
قاطعها ابراهيم قائلا بهدوء
دي بنتنا احنا والنهاردة فرحتنا بيها فماتبوظيهاش بعياطك !
هزت رأسها بإيماءة خفيفة وهي تقول
حاضر !
....................................
جلست سارة إلى جوار والديها وهي تتحسر على حالها البائس ...
هي لم تكن تحمل يوما نوايا طيبة لأقاربها .. وسعت في تخريب حياة ابنة عمها فنالت جزائها .. واليوم هي هنا تشهد على زيجة جديدة بنيت على أساس طيب ..
تنهدت بإستياء واستندت بوجهها على مرفقها ..
نظرت لها إيمان بإشفاق وتمتمت بضجر
افردي وشك بلاش البوز ده !
ردت عليها سارة بإحباط
يعني لو ضحكت هاتتعدل
هتف فيهما مدحت بنفاذ صبر
اسكتوا انتو الاتنين ومش عاوز كلام في أي حاجة
ردت عليه إيمان على مضض
طيب
............................................
توالت فقرات الحفل تباعا حتى انتهى العروسين من تقطيع قالب الحلوى ذي الأدوار المتعددة .. فهتف منسق الحفل قائلا في الميكروفون
ودلوقتي نطلب من أصحاب العروسة يتجمعوا عشان البوكيه ..
وبالفعل تسابقت صديقات ورفيقات روان في الوقوف خلفها استعدادا لتلقي باقة الورد المميزة التي تعلن ضمنيا عمن سيأتي عليها الدور في الإرتباط ..
وقفت إيثار بجوار كوشة العروسين تنظر إلى المشهد بنظرات متأملة .. لكن لم يطرأ ببالها أن تشير روان بيدها لمنسق الحفل لتطلب منه الميكروفون ..
نظرت لها بتعجب وإرتفع حاجبها للأعلى في ريبة وتساءلت مع نفسها بفضول
هي ناوية على ايه المچنونة دي
أمسكت روان بالميكروفون والتفتت برأسها ناحية رفيقتها الوحيدة وصاحت بنبرة جادة
سامحوني يا بنات أنا مش هاقدر أدي بوكيه الورد ده لحد فيكم !
حدقت الفتيات لبعضهن البعض بنظرات غريبة ومتعجبة بينما تابعت روان بنبرة ممتنة
البوكيه ده هايروح لأختي وصاحبتي وحبيبتي إيثار
شهقت إيثار مصډومة حينما سمعت اسمها يتردد في المكان ..
ووضعت يدها على فمها في ذهول عجيب ..
قام منسق القاعة بتسليط الأضواء عليها فقط بعد أن أخفض الإضاءات الأخرى لتصبح هي وحدها محور الإهتمام ..
اقتربت منها روان بخطوات حذرة ونظرت إليها بود وهي تكمل بنبرة تحمل العرفان والجميل
حقيقي أنا مكونتش أتخيل إن ربنا هيكرمني بواحدة زيك ونفسي أوي نكون مش بس أصحاب !
هنا تدخل مالك في الحوار وطلب من شقيقته بهدوء
ممكن أكمل أنا !
ناولته روان الميكروفون ليلتفت هو بجسده ناحية حبيبته وتأملها بنظرات عاشقة وأردف قائلا بنبرة آسرة
إيثار .. !
ارتعش جسدها على إثر صوته وضمت كفيها معا لتفركهما بتوتر وتعلقت أنظارها بعينيه العاشقتين ..
أكمل مالك قائلا بنبرة متيمة
وقف هو على بعد خطوات معدودة منها وحدق فيها بثبات ثم همس لها بتنهيدة حارة
إيثار أنا محبتش حد إلا انتي !
وضع يده على قلبه ليشير إليه وأسبل عيناه وهو يتابع بصدق
قلبي ده عمره ما دق إلا ليكي وبس .. !
زادت نبرته رخامة وهو يضيف بصوت خاڤت
الظروف أجبرتنا على البعاد وفرقتنا خليت كل واحد فينا يشوف أوحش ما في الدنيا !
تسارعت دقات قلبها وهي تراه يقف قبالتها ..
مد يده ليمسك بكفها ثم أطبق عليه وتابع بنبرة رومانسية
بس النهاردة أنا مش هاقدر اسيبك تبعدني عني نفسي تكون معايا على طول للأبد تكوني أم عيالي وكل حاجة في حياتي .. بأحبك يا عمري اللي جاي كله !
جثى مالك على ركبته أمامها فخفق قلبها أكثر واستطاع أن يرى توترها الرهيب فابتسم لها ابتسامة مغرية وتساءل بصوت جاد وثابت وهو ينظر مباشرة في عينيها
إيثار رحيم عبد التواب تقبلي تتجوزيني وتكوني مراتي وشريكة حياتي قدام الناس دي كلها
استطاعت أذنيها أن تلتقط شهقات الفتيات المصدومات من ذلك المشهد الرومانسي المثير ..
بدأ فمها في الإلتواء ليتشكل عليه بسمة رقيقة وهي تجيبه بصوت هامس ومرتبك
أنا ..آآ...
قاطعها قائلا بإصرار محب عاشق
تتجوزيني يا إيثار أنا مش هاسيبك تبعدي عني تاني !
لم تجبه بل أومأت برأسها بإيماءة خفيفة فنهض على إثرها من مكانه وجذبها من كفها إلى حضنه ليحتضنها بشغف كبير ..
تعالت التصفيقات والصافرات وتهليلات الحاضرين في القاعة .. وامتزجت مع أغاني الأفراح المهنئة ..
لم تصدق تحية ما حدث وانطلقت منها دفعة لا متناهية من الزغاريد السعيدة لفرحة ابنتها التي ستكتمل اليوم مع حبيبها الوحيد ...
بعد مرور عدة أيام وفي تلك الحديقة الأنيقة المخصصة لحفلات العرس النهارية كانت إيثار توقع بسعادة على ميثاق الزواج ليعلن بعدها المأذون اكتمال المراسم الرسمية لتلك الزيجة الميمونة ..
أمطرتها روان بقطع الزهور الصغيرة فوق رأسها وهي تقفز بفرح في مكانها ..
مال عليها عمرو قائلا بعبوس
اهدي شوية مش كده يا روني
ردت
عليه بمرح وهي ترمش بعينيها
فرحانة أوي يا عمرو مش مصدقة أخيرا ربنا جمعهم مع بعض
قال عمرو مبتسما وهو يغمز لها
الحمدلله عقبالنا احنا كمان !
ردت عليه محتجة وهي تشير بيدها
لسه بدري أما أخلص دراسة وآآآ....
قاطعها قائلا بجدية
وأنا مش هاصبر كل ده أخلص بس اللي ناقص في الشقة وبعد كده هاعجل بجوازنا يا حبيبتي !
ابتسمت روان له بخجل ولم تقل المزيد .. فقد كانت هي الأخرى تحترق شوقا لتكون إلى جواره تحت سقف منزلهما ...
نهض مالك عن مقعده واتجه إلى زوجته إيثار وأمسك بكفها ليقبله ثم جذبها منه لتنهض وهو يقول بجدية
تعالي يا حبيبتي معايا
نظرت له إيثار بإندهاش واعترضت على ما يفعله
استنى يا مالك احنا رايحين فين بس وسايبين الفرح
رد عليها بعدم اهتمام بما يظنه المتواجدين من حولهما
هاتعرفي الوقتي
سحبها ورائه بعيدا عن الحاضرين فضحكوا على ما يفعله مالك بعروسة وصفقوا لهما ... فخجلت هي من تصرفه الطائش وهتفت بحرج
يا مالك مش ينفع اللي بتعمله ده
رد عليها بعدم إكتراث
محدش ليه حاجة عندي إنتي مراتي وأنا حر
استقل السيارة وقادها إلى بقعته المميزة على كورنيش البحر ..
تلك البقعة التي شهدت مولد حبهما وفراقهما ولحظات تعاستهما ومعاناتهما وانتهت الآن بزواجهما وفرحتهما الأبدية ..
اتسعت حدقتيها في إعجاب كبير حينما رأت كيف زين ذلك المكان وجمله ليليق بها ..
افترشت الرمال بالزهور الوردية والحمراء على الجانبين
ووضع في المنتصف بساط ابيض لتسير هي عليه كالأميرات ..
إنها تعيش حلما رائعا لا تود الإستيقاظ منه أبدا ..
صف السيارة على الجانب وترجل منها ثم دار حولها ليفتح الباب لملكة قلبه ..
مد ذراعه ليمسك بكفها ليعاونها على الترجل منها .. فابتسمت له بنعومة .. وتحركت معه ..أجمل ما رأيت بحبنا
هذا الجنون وكثرة الأخطار
حينا يغرد في وداعة طفلة
حينا نراه كمارد جبار
لا يستريح ولا يريح فدائما
شمس تلوح وخلفها أمطار
أحبك وسأحبك دوما
حبيبتي و معذبتي إيثار ..