رواية بقى منها حطام أنثى لمنال سالم

موقع أيام نيوز


گسيل المطر في ليلة عاصفة شديدة الرياح ..
نعم تلك الرياح هي التي حركت جذورها واقتلعتها لتخرج من قوقعة الصمت وتصدمه بالواقع المرير والمخجل الذي عاشته بكل ما فيه من قسۏة وظلم ..
هي قررت ألا تفصح له عن مكنونات قلبها أو عن إحساسها الذي لم يخبو يوما نحوه وتعهدت لنفسها ألا تسرد له قصتها المؤلمة والمخزية ولكنه دفعها بظلمه للخروج عن صمتها المرير وجعله يتعايش مع آلام الندم جراء قسوته معها لذلك اڼفجرت فيه معلنة نهاية الظلم نهاية القمع .. وباحت عما

جعله يخجل من حاله ومن ظلمه لها ..
قادتها قدميها إلى ذلك المكان الخاوي والذي جمعهما يوما ما .. فوقفت خلف أسواره ولم تقوى على الدخول في مواجهة الأمواج المتلاطمة جففت الرياح بقايا عبراتها المتجمدة ..
وحدقت أمامها بشرود ..حيث رأتهما .. 
أجل .. رأت نفسها تتجسد كطيف ملموس أمامها ورأته أيضا يقترب منها ..
ابتسامته المشرقة التي سحرتها يوما زادت لمعانا بقربها منه ..
.. 
لم تنطق الشفاه بل فاضت الأعين بألاف الكلمات ..
ابتسمت لذلك المشهد الذي أسعدها وخفف من آلمها وهي تتخليه حقيقة .. 
ولكن لم يدم الأمر طويلا فقد اختفى من أمامها لتبقى ا صورة الرمال المحيطة بتلك البقعة الزرقاء الصافية ..
فأنهارت تبكي بشدة وبصوت مسموع للآذان ثم وضعت كفيها على وجهها لتغطيه بهما وهي تشهق شهقات مرتفعة ممزوجة بصوت البكاء وهتفت بنبرة متقطعة 
آآ... أنا بكرهك ... بكرهك يامالك آآآآه !
خفق قلبها بقوة وتلاحقت شهقاتها .. وفجأة شعرت بكف دافئ وقد أخذ محله على ظهرها فانتفضت بفزع وابتعدت عقب ارتجافة سارت بأطرافها لتنظر إلى من فعل هذا ..
شعور قليل بالإرتياح الممزوج بالإطمئنان حينما وجدت تلك السيدة العجوز البشوشة الملامح تبتسم لها بعطف دنت منها السيدة بخطوات متعرجة ثم مسدت على ذراعها وهي تقول بنبرة دافئة بثت فيها الشعور بالأمان 
اهدي يابنتي ولا مالك ولا غيره يستاهل تعملي في نفسك كده !
حدقت فيها إيثار بذهول وهي تنزح عبراتها عن وجنتيها فقد سمعت تلك العجوز عبراتها الشاكية لنفسها دون قصد منها مما جعلها تشعر بالحرج من نفسها.. فطأطأت رأسها بحرج وضيق بين .. 
ثم أسبلت عيناها نحوها وهي تتساءل بخفوت وبلهجة واهنة 
هو أنا صوتي كان عالي
مسحت السيدة على بشرتها الشاحبة بكفها المجعد وهي تبتسم لها بعذوبة وأجابتها 
صوت عياطك كان أعلى وأنا محبيتش أشوفك كده .. أنتي زي بنتي الله يرحمها !
تفاجئت من عبارة السيدة الأخيرة الصاډمة وهمست
مواسية 
الله يرحمها
شعور غريب بالإرتياح تسلل رويدا رويدا إليها .. رغم كونها لا تعرفها لكنها كانت كالبلسم المسكن للآلام ..
_ اد ظهور التجاعيد في وجه تلك العجوز عندما اختفت بسمتها وحل العبوس محل البشاشة فأطرقت رأسها بحزن شديد ثم هتفت والوميض قد أخذ طريقه لعينيها 
الله يرحمها انا عايزة أقولك أننا مش عايشين على طول .. امبارح عدا وفات والنهاردة مش عارفين نهايته إيه وبكرة ده مش بتاعنا احنا ضيوف على الأرض يابنتي
أنهمرت الدموع من مقلتي إيثار بغزارة بعد أن جاهدت لمنعها ولكنها لم تقو على ذلك فقد كان الألم أشد منها وأعنف .. فمسحت على وجهها بكفيها وهي تهتف بلهجة متحشرجة منكسرة 
بس انا تعبت عمري ما فرحت بجد من قلبي .. مش طالبه حاجة غير الفرحة في ناس كتير أوي فرحانين .. اشمعنا أنا بيحصل معايا كده ليه !!!!
هزت السيدة رأسها نافية وهي تضغط على ساعدها ثم نطقت ومازالت البسمة مرتسمة على وجنتيها 
مش صح يابنتي كل واحد عنده همومه اللي محدش يعرف عنها حاجة.. وبعدين يابنتي في بلاء أشد من بلاء أحمدي ربنا وأرضي عشان يرضيكي !!!!
أرادت تلك السيدة أن تدعم حديثها وتؤكده فقررت أن تفصح عن مصيبتها وبلائها العظيم .. گدليل منها لإثبات المقولة التي تحمل معنى من رأى بلاء غيره تهون عليه بلواه .. فقالت والحزن يخيم على صوتها 
أنا راح عيالي كلهم وحفيدي في يوم واحد !
شهقت إيثار بصوت مكتوم وابتلعت ما تبقى من ريقها الذي جف بصعوبة ثم تساءلت بإهتمام وقد سيطر على وجهها علامات الخۏف 
آآ.. أزاي 
أجابتها السيدة وقد تعلق بصرها بالسماء التي كانت ملبدة بالغيوم والسحب 
حكمة ربنا كده وأنا راضية ابني سافر عشان يقضي الأجازة مع أخته بره مصر .. وقدر يقنعها تنزل مصر هي وابنها وجوزها في أجازة !
اختنق صوتها نوعا ما وهي تتابع بأسف 
في اليوم ده الطيارة وقعت بيهم كلهم .. وخسړت بنتي وابني وحفيدي اللي مشوفتوش !
شحب وجهها وانخفضت نبرة صوتها لتصبح أكثر شجنا 
راح مني كل اللي بحبهم في يوم واحد ..ومقولتش غير الحمد لله رب العالمين وهما أكيد في مكان أجمل من دنيتنا دي !
رغما عنها بكت إيثار متأثرة .. يا الله كم عانت تلك السيدة من فراق أحبابها .. من مۏت أخذ بغتة الأقرب إليها وأنا هنا أبكي على حب مضى وانتهى 
أشفقت على تلك العجوز التي تخفي خلف قناع بسمتها كثير من الآلم ..
مسحت عبراتها بكفها وشردت أمامها تفكر في مصېبة تلك السيدة .. أي شيء يمكن أن يقارن بخسارة الأبناء والأحفاد أي قدرة عظيمة جعلت تلك السيدة تتحمل فراقهم المؤسف بتلك الشجاعة العجيبة .. 
إنها تعاني من فاجعة أشد وأقوى من مصيبتها التي لا تذكر .. توقف سيل عبراتها وأخذت تفكر بشكل آخر ..
_ لقد اقتنعت بصدق المقولة وبدأت روحها تسكن رويدا رويدا بينما تابعت السيدة بنبرتها الحنون الدافئة وهي تردد
فهمتي يابنتي مفيش حاجة تستاهل وكلنا ماشيين في يوم
حركت إيثار رأسها بتفهم وقد شعرت بالحنين لذلك الذي توارى أسفل التراب أبيها الراحل .. ذاك الذي قضت سنواتها الأخيرة بعيدة عنه تبغضه لفعلته في حقها وهو لم يكن يسعى سوى لراحتها وسعادتها .. حتى وإن كانت طريقته خاطئة ..
تنهدت بعمق وفجأة... 
دوى صوت الرعد في المكان وظهرت الخيوط الضوئية البراقة البرق في السماء وبدأت السماء تهطل كما غزيرا من الأمطار ..
ارتجفت إيثار قليلا ورفعت وجهها للأعلى وهي تطبق على جفنيها لتترك العنان لتلك القطرات الباردة لتهديء من سخونة وجهها وتمسح بقايا الدموع عنها ..
تناجت مع الله بقلبها ودعته أن يدخل السرور على تلك العجوز التي أزاحت ثقلا عنها .. ثم تمنت منه بتضرع أن يقر عينيها بفرحة تدمع لأجلها فإنها بحاجة ماسة لها . 
ظل يجوب غرفته ذهابا وإيابا يفكر في حل سريع ومرضي للوصول إليها ولكنه لم يتمكن فقد عجز عن ذلك بسبب فرط خوفه وتوتره .. بالطبع وكيف يصل لها وقد أغلقت هاتفها نهائيا وامتنعت عن الظهور ولم يعد هناك أي وسيلة متاحة للتواصل بينهما ...
ألقى بجسده المنهك على الفراش ثم انحنى بجزعه للأمام ليستند بساعديه على ركبتيه ..

زاد حنقه وبرزت عيناه پغضب .. 
فرك وجهه بعصبية وردد مع نفسه إن كان هو قد
عانى قيراطا فهي تحملت الأربع وعشرون قيراط بمفرده ..
هي لم تكن معذبته وقاټلة فؤاده كما ظن بل كان هو مشاركا بدون وعي في الچريمة النكراء التي أرتكبت بحقها ..
كم كان قاسېا متحجر الفؤاد لم يشعر بآلمها لم يفهم نظرات عينيها الحزينتين لم يدرك إنكسارة روحها ...
انقطع شروده فجأة عندما ولجت روان للحجرة وهي تحمل الصغيرة ريفان فجاهد مالك لكي يخفي عنها ملامحه العابسة المكفهرة ولكنه لم يستطع فعل ذلك ..
دنت منه لتجلس جواره ثم مسحت على ظهره بحنو وهو تردف متساءلة 
مالك ! ليه عملت كده معاها 
صمت ولم يعقب فأكملت بشجاعة 
هي متستاهلش كده !
أخذ نفسا عميقا وحپسه في صدره المټألم ثم زفره على مهل والټفت نحوها ليسألها بإندهاش متعجب منها 
و.. وانتي عرفتي أزاي 
أجابته روان وهي تعض على شفتيها بضيق 
سألت راوية وقالتلي أنك طردتها ..
نظرت له بعتاب كبير وسألته بخفوت يحمل اللوم 
ليه يامالك دي .. دي إيثار !
نهض عن مكانه بشكل متشنج ثم هتف بلهجة منفعلة ليواري على فعلته 
هي اضطرتني لكده !
أولاها ظهره وتابع بصوت محتد 
وياريت نقفل على الموضوع ده ياروان .. ده يخصني ومحبش حد يدخل فيه !
ردت عليه روان بتوتر وهي تنهض عن مكانها متمسكة بالصغيرة جيدا 
انا مقصدش أدخل بس انت من ساعة مارجعت وانت متغير .. دايما عصبي وعلى طول بتزعق !
_ شهق بأنفاسه ثم زفرها بتمهل لكبح الشحنة المتأججة التي تستعر بداخله ثم مسح بكفيه على وجهه وهو يهتف بنبرة خاڤتة مدعيا الهدوء 
مفيش حاجة بتفضل على حالها
الټفت إليها ثم رمق صغيرته بعطف معتاد منه عليها وهتف بنبرة حزينة يغزوها الضيق 
خدي ريفان وأكليها مش عايزها تحس بفرق !
ردت عليه روان وهي تهز وأسها بتفهم 
متقلقش هي أكلت العشا بتاعها .. !
تحركت مبتعدة وأضافت بحذر 
انا هسيبك مع نفسك عشان عارفه انك محتاج تقعد معاها وتعيد حساباتك !
_ غادرت الحجرة لتتركه في تخبطه وذبذبة أفكاره ومشاعره فأصبح الآلم لديه أضعاف مضاعفة ..
تمنى لو لم يعرف بما حل بها وليته لم يعد لتلك المدينة التي طالما جمعتهما سويا ..
والآن هي تشهد على تعذيبه لها .. 
تنهد بقلة حيلة ثم توجه لخزانة ملابسه بشكل غير ارادي .. 
وإذ بمقلتيه تقع على تلك الآلة الموسيقية من جديد ...
آلة الكمان التي أهدته إياه زوجته الراحلة ..
فأبتسم إبتسامة طفيفة سريعا ما تلاشت ثم مد يده ليلتقطها ..
أزاح عنها الغطاء الحافظ لها ثم أسندها على كتفه وبدأ في عزف لحنه الحزين المؤلم فلمس أوتار قلبه الملتاع وصميمه ..
أغمضت عيناه ليستسلم لتلك النغمات الشجية فلاح طيفها في مخيلته .. 
اتسع ثغره بإبتسامة باهتة ولكنها اختفت بعد لحظات ..
وعلى حين غرة فتح عيناه واتسعت حدقتيه وارتفع حاجبيه للأعلى فقد خطړ بمخيلته فكرة جديدة ربما تساعده على الوصول إليها .. وعلى الفور تحرك عن مكانه وخرج يبحث عن شقيقته وهو ينادي عليها حتى لمحها تخرج من حجرة الصغيرة ريفان 
فأقترب منها بحماسة ثم نطق بتلهف شديد 
حضري ريفان عشان نروح نزور عمتي
رددت روان بإستغراب وقد انعقد ما بين حاجبيها بذهول جلي 
دلوقتي! طب ليه 
أجابها مالك بهدوء محاولا عدم إظهار نيته لها 
عشان أخر مرة مشيت
 

تم نسخ الرابط